في هجوم آخر متجدد على منظمات المجتمع المدني الفلسطيني، وفي أثناء ارتكابها لجريمة الإباة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، داهم جيش الاحتلال الإسرائيلي في صباح يوم الإثنين الماضي، مقرات اتحاد لجان العمل الزراعي (UAWC)، ويأتي ذلك الهجوم في أعقاب سلسة من الهجمات المماثلة على منظمات بارزة في مجال حقوق الإنسان والتنمية، في إطار النهج الإسرائيلي المعتاد في مهاجمة منظمات المجتمع المدني الفلسطيني.
في الأول من ديسمبر/كانون الأول، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي وبكامل عتادها العسكري، وبمرافقة فريق إعلامي عسكري، مقرات اتحاد لجان العمل الزراعي في رام الله/البيرة والخليل، والتي تقعان ضمن المنطقة (أ) من الضفة الغربية، وقامت بنهب ومصادرة محتوياتها من أجهزة الحاسوب وغيره من المستندات. ومن المعروف أنه منذ اتفاقات أوسلو، من المفترض أن تقع تلك المنطقة تحت السيطرة والسيادة الكاملة للسلطة الفلسطينية، ولكن تمارس قوات الاحتلال انتهاكات يومية في التعدي على تلك المناطق.
وفي أثناء مداهمة اتحاد لجان العمل الزراعي، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتفتيش المقرات وتخريبها ونهب محتوياتها، بما فيها الأموال والمعدات التي تقدر قيمتها 215,000 دولار أمريكي. وقامت الكتيبة رام التابعة للواء البحث و الانقاذ في الجيش الإسرائيلي، باعتقال واختطاف ثمانية موظفين معصوبي الأعين، بعد أن احتجزت 14 موظف أثناء مداهمة وإغلاق المقرات بأوامر عسكرية وضعتها على أبوب المقرات. فيما أقدمت قوات الاحتلال على تدمير بنك البذور المحلي التابع للاتحاد في مدينة الخليل، والذي استغرق انشاءه أكثر من عشرين عاماً.
ويعد اتحاد لجان العمل الزراعي، مؤسسة تنموية فلسطينية غير حكومية عريقة، تخدم المزارعين والمجتمعات الريفية في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ عقود. فقد ساهم الاتحاد بشكل كبير في الحفاظ على بقاء الشعب الفلسطيني، من خلال برامج التنمية الزراعية، والأمن الغذائي. وهذا الهجوم الأخير يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وللوضع القانوني والتنموي والإنساني الذي يحمي تلك المؤسسات الواقعة تحت الاحتلال.
ويعد استهداف هذه المنظمة الزراعية المحلية، وبنك البذور التابع لها، بمثابة هجوم مباشر على القطاع الزراعي الفلسطيني، وحق الشعب الفلسطيني في أرضه، وغذائه، وسبل معيشته. كما يهدف إلى تقويض المؤسسات التي تدعم بقاء الفلسطينيين على أرضهم وحمايتها من المصادرة ومشاريع الاستيطان. فعمل الاتحاد لجان العمل الزراعي هو تقديم الدعم للمزارعين الفلسطينيين في مواجهة الاستيطان، ومحاولات الجيش الإسرائيلي، والمستوطنين، لتجريدهم من ممتلكاتهم وإفقارهم.
ولا يعتبرهذا الاعتداء الجديد حادث منعزلاً، بل إنه يأتي في سياق سياسة الاحتلال المتواصلة، التي تستهدف باستمرار المؤسسات الفلسطينية والعاملين فيها، بهدف تدمير اقتصاد الشعب الفلسطيني، ومجتمعه المدني، وقدرته على التعافي. وخلال العدوان الأخير على قطاع غزة، تم تدمير عشرات المقرات التنموية والإنسانية للمجتمع المدني سواء بشكل كلي أو جزئي، وقتل الجيش الإسرائيلي، أكثر من 500 عامل في الشأن الإغاثي، أثناء تأديتهم لواجبهم المدني. فهذا السلوك المتراكم للكيان الإسرائيلي يشكل انتهاكا جسيماً للقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك اتفاقيات جنيف، فضلاً عن الجرائم المحظورة دولياً.
وفي ذات السياق، وفي رده على العقوبات الأمريكية التي طالت بعض المنظمات الحقوقية الفلسطينية، أكد المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان على أن هذه العقوبات الأمريكية ”لا تؤدي إلا إلى تعميق الإفلات من العقاب، وإسكات أصوات الضحايا، وتهيئة المناخ للاستمرار في ارتكاب الانتهاكات والجرائم الدولية“. وتوجد العديد من حالات القمع الإسرائيلي ضد العاملين في مجال التنمية والجهات الفاعلة، والأنشطة المدنية أيضًا، في وحدة دعم الوصول التابعة للأمم المتحدة (ASU)، والتي تشير إلى ما لا يقل عن 7000 حادثة منذ أن بدأت الرصد في عام 2008.
وتدين شبكة حقوق الأرض والسكن- التحالف الدولي للموئل، تلك الاعتداءات الإجرامية على مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني المصرح لها بالعمل، وتدعو إلى الإفراج غير المشروط عن جميع السجناء السياسيين الفلسطينيين، والمدافعين عن حقوق الأرض والسكن، كما تطالب بحقهم الكامل في جبر الأضرار التي تكبدوها جراء نظام الفصل العنصري.
وعليه تذكر شبكة حقوق الأرض والسكن- التحالف الدولي للموئل الأطراف المعنية بما يلي:
- يجب على الدول كافة وبعثاتها الدبلوماسية، أن تقوم على وجه السرعة بواجباتها تجاه الكافة، بموجب القانون الدولي، للتدخل وإنهاء هذا الوضع غير القانوني الذي تخلقه إسرائيل وكافة مؤسسات الاحتلال، ومن بينها استهدافها للمؤسسات المدنية الفلسطينية.
- يجب على الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة أن تكون أكثر حزماً في الوفاء بواجباتها المنصوص عليها بموجب الميثاق، وذلك باتخاذ تدابير عملية وذات أثر فوري، يتجاوز مراقبة وتوثيق جرائم الاحتلال الإسرائيلي، ليشمل حماية المؤسسات التنموية الفلسطينية والعاملين فيها.
- يجب على المحكمة الجنائية الدولية أن تسرع من تحقيقاتها وملاحقتها القضائية للسلطات والأفراد الإسرائيليين المسؤولين عن الاحتلال، ومحاسبتهم على جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني وممتلكاته العامة والخاصة، ومؤسساته وعماله، وجبر الضرر لجميع الأشخاص الاعتباريين والطبيعيين المتضررين الذين تكبدوا تكاليف وخسائر وأضراراً جراء تلك الانتهاكات.
- كما ينبغي على الدول والمؤسسات الدولية المانحة، تعزيز الدعم والحماية لمؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، التي تمثل الخط الأول للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وتؤدي دوراً حيوياً في تقديم الخدمات الإنسانية والتنموية.
- في الوقت الحالي يمتلك المجتمع المدني والناشطون في جميع أنحاء العالم القدرة والفرصة، لتصعيد ضغوطهم على كافة دوائر الحكومة في بلدانهم، للوفاء بالتزاماتها لفرض عقوبات على مرتكبي الجرائم من الإسرائيليين، وسحب الاستثمارات منهم وعدم التعاون معهم، والاعتراف بنتائج جرائمهم. كما ينبغي على كافة منظمات المجتمع المدني وغيرها من الحركات الاجتماعية، ووفق ما لديها من قدرات، أن توفر الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وأن تتخذ خطوات لإنهاء كافة ممارسات إسرائيل المتمثلة في الإبادة الجماعية، والفصل العنصري، والاستعمار الاستيطاني، والاحتلال.
إن حماية الشعب الفلسطيني، وأرضه، ومؤسساته هو واجبنا الدولي، والذي يتطلب اتخاذ إجراءات تصحيحية ذات جدوى وأثر فوري.
الصورة: إخطار بالإغلاق وضعه جنود الاحتلال الإسرائيلي، في مقر اتحاد لجان العمل الزراعي في رام الله، بعد مداهمته للمنظمة غير الحكومية في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2025. المصدر: جيروسالم بوست.












