بين الممارسات العشوائية وخطط العمل الوطنية
في ظل التحديات المتزايدة لتغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة، تبرز الحاجة الملحة إلى تبني استراتيجيات قائمة على أسس علمية لحماية الموارد الطبيعية، وعلى رأسها المياه، وتعزيز قدرة المدن على التكيف مع الظروف المناخية المتغيرة. ما شهدناه مؤخرًا من قيام إحدى البلديات بسكب كميات كبيرة من المياه في الشارع، لتشكيل مجرى مائي بغرض التخفيف من الحرارة أو جذب الانتباه، يمثل مثالًا واضحًا على غياب التناغم بين الممارسة الفعلية وأهداف التكيف الحضري المقرّة في الوثائق الوطنية.
من منظور علمي وعملي، فإن هذه الممارسة لا تسهم في خفض درجات الحرارة المحيطة بشكل ملموس، ولا تترك أثرًا إيجابيًا على المناخ المحلي، بينما تؤدي إلى هدر مورد مائي حيوي في بلد يعد من أفقر دول العالم مائيًا. الأساليب الحديثة للتخفيف الحضري من آثار الحرارة، كما تشير تجارب دول عدة مثل روسيا والهند وأوروبا، تعتمد على حلول ذات كفاءة عالية ومدروسة علميًا، تركز على الاستخدام الأمثل للمياه وتقنيات التبريد المستدامة.
فعلى سبيل المثال، في موسكو تُستخدم شاحنات رش المياه على شكل رذاذ ناعم لزيادة فرصة التبخر، ويحدث ذلك في بيئة تتمتع بوفرة مائية نسبية، مما يجعل هذه الطريقة مجدية هناك. وفي مدينة أحمد آباد بالهند، تم تطوير أنظمة رش ضبابي في أماكن انتظار الحافلات والأماكن المزدحمة لتحقيق فائدة مباشرة للمشاة باستخدام أقل كمية ممكنة من المياه. أما في بعض المدن الأوروبية، فإن عمليات الغسل المائي للشوارع تتم أساساً لأغراض النظافة وبمياه معاد تدويرها، ولا يُنظر إليها كحل شامل لخفض درجات الحرارة الحضرية.
تشير خطة التكيف الوطني 2022 في بندها الخامس المرتبط بالتكيف الحضري إلى أن البلديات في المناطق الحضرية مفوضة لقيادة المبادرات المجتمعية للاستجابة لمخاطر تغير المناخ، من خلال تحديث هياكلها المؤسسية وبناء قدراتها. كما يتضمن البرنامج الرابع من الخطة محورًا واضحًا لتحسين كفاءة البناء لمواجهة الحرارة المتزايدة، عبر تحسين العزل والتبريد المستدام، وتحديث قوانين البناء، والتشجيع على استخدام الأجهزة الموفرة للطاقة. من اللافت أن الخطة لا تتضمن أي إشارة إلى ممارسات مثل سكب أو رش المياه في الشوارع، وهو ما يعكس أن هذه الأساليب ليست ضمن التوجهات المعتمدة للتكيف الحضري، بل على العكس، تعكس غياب محلية الخطط أو ضعف ترجمتها إلى ممارسات على الأرض.
إن الاعتماد على حلول مصممة علمياً لا يقلل فقط من هدر المياه، بل يحقق الأثر البيئي المرجو ويعزز التكيف مع تغير المناخ، وهو ما يتطلب من البلديات أن تدرس الظروف المناخية المحلية قبل اتخاذ أي إجراء، وأن تعتمد على مصادر مائية غير صالحة للشرب مثل المياه الرمادية أو المعالجة في أي عملية ترطيب للشوارع أو المساحات العامة. كما يجب أن تستثمر في حلول أكثر استدامة مثل زيادة المساحات الخضراء وزراعة الأشجار المظللة، وتبني مواد رصف عاكسة للحرارة، وتحسين التهوية الحضرية.
الممارسات العشوائية في إدارة الموارد، خاصة تلك الصادرة عن مؤسسات رسمية، قد تضر بمصداقية الجهود الوطنية وتحد من فعاليتها. المطلوب هو الالتزام بالممارسات التي تعكس حوكمة رشيدة للموارد، مثل التوسع في التشجير الحضري باستخدام النباتات المحلية المقاومة للجفاف، وتبريد الأسطح والواجهات بطرق مستدامة، وتظليل المساحات العامة، واستخدام المياه الرمادية في أنظمة الرش أو التبريد، وهي حلول مثبتة الفعالية وتتماشى مع الأهداف الوطنية للتكيف.
تحقيق التبريد الحضري بطريقة مستدامة لا يكون من خلال إغراق الشوارع بالمياه، بل عبر تبني تقنيات مدروسة تقلل الفاقد وتوجه الموارد نحو الأماكن التي تعود بأكبر فائدة على راحة السكان وصحتهم. ويجب أن تكون القرارات البلدية قائمة على تحليل علمي مسبق يحدد كمية المياه اللازمة والأثر الحراري المتوقع، مع الالتزام بمبادئ الشفافية والمساءلة لضمان توافق الممارسات مع الخطط الوطنية للتكيف مع تغير المناخ. وبهذه الطريقة يمكن للبلديات أن تكون نموذجاً يحتذى في الاستخدام الرشيد للموارد المائية وحماية البيئة الحضرية، وضمان استدامة المدن للأجيال القادمة.
ثيمات |
• إقليمي • البيئة المستدامة • الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية • الحوادث • الخدمات الأساسية • المياه والصرف الصحي • تغير المناخ • حقوق الإنسان • وطني |