- تكلفة إعادة الإعمار ستعادل عشرة أضعاف ما أنفقته الأمم المتحدة على إعادة إعمار العراق

- الحديث عن عمليات إعادة إعمار سوريا ينطلق مبكرا قبل أن ترتفع الأيدى عن الزناد

- المبادرات والمشاريع المطروحة لم تقتصر على المستثمرين فقط بل امتدت القائمة لتشمل مسئولين سابقين

- فورين أفيرز: سوريا تحتاج إلى خطة مارشال جديدة..

-التايمز البريطانية: الاقتصاد السورى أمامه 35 عاما ليستعيد عافيته

-تقارير بريطانية: بريطانيا شاركت بالضربات بسوريا وعينها على أرباح إعادة الإعمار

إعادة إعمار سوريا، عنوان عريض بطول سنوات العذاب الخمس الماضية، وعمق الجراح الغائرة فى شغاف النفوس النازحة، ورد بذيل قرار مجلس الأمن الدولى رقم 2254 الخاص بالتسوية السياسية بسوريا، ليتصدر لافتات تخبو وسط السماوات الضبابية للعاصمة البريطانية لندن، حيث ستكون موضع مؤتمر مهم يعقد فى فبراير المقبل، وفق نص القرار الذى جمع بينه وبين الحاجة الماسة لمساعدة اللاجئين فى فقرة واحدة ذات دلالة بالغة، فالدمار والخراب والحطام فى سوريا لا يقاس بالشبر والأمتار، بل بالأوتار التى تقطعت من الصراخ، والأوصال التى تمزقت عبر البحار، وتحتاج هى الأخرى «لمشروع مارشال» لإعادة ترميمها وتأهيلها نفسيا واجتماعيا. والحديث عن إعادة الإعمار يطرح جُملة من التحديات كما يحمل باقة من الفرص أشعلت سباقا محموما مبكرا انطلق والأيادى لا تزال فوق الزناد، والبركان لم يخمد ولعلعة الرصاص لم تهمد، لحجز موطئ قدم فى بورصة الإعمار التى لم تستقر أسهمها بعد عند مستثمر محدد، وتتراقص أمام أعينهم أسئلة عديدة، لعل أبرزها كم ستبلغ كلفة عمليات إعادة الإعمار فى سوريا التى فاقت أوضاع ألمانيا عشية نهاية الحرب العالمية الثانية؟ وما جهات التمويل؟ وحجم الخسائر؟ والتحديات التى تعترض تلك المشروعات؟

جاء نص قرار مجلس الأمن الدولى رقم 2254 حول الأزمة السورية، «يؤكد الأهمية البالغة والحاجة الماسة لإيجاد شروط العودة الآمنة والطوعية للاجئين، والنازحين داخلياً لمناطق سكنهم الأصلية، وإعادة تأهيل المناطق المتضررة طبقاً للقانون الدولى بما فى ذلك الشروط المعمول بها الواردة فى «الاتفاقية والبروتوكول المتعلق بوضع اللاجئين»، والأخذ بعين الاعتبار مصالح البلدان المضيفة للاجئين، ويحث الدول الأعضاء على تقديم المساعدة بهذا الصدد، ويتطلع قدماً إلى مؤتمر لندن حول سوريا فى شباط 2016 الذى تستضيفه المملكة المتحدة بمشاركة ألمانيا والكويت والنرويج والأمم المتحدة كإسهام مهم فى هذا المسعى، ويعرب أيضاً عن دعمه لعملية إعادة إعمار وتأهيل سوريا ما بعد الصراع». وحتى الآن لم تتوافر أية معلومات محددة ودقيقة بشأن هذا المؤتمر بخلاف موعد ومكان انعقاده المنصوص عليهما بمتن القرار، ومن غير الواضح ما إذا كان انعقاد هذا المؤتمر مرهونا بنجاح عملية التسوية السياسية بسوريا من عدمه. فاللافت للنظر فى الحالة السورية، وخلافا لما هو متعارف عليه ومألوف بل تقتضيه طبائع الأمور قبل أى شىء أن الحديث عن عمليات إعادة الإعمار يجرى فى مسار متواز مع الصراع، وهو فى قمة عنفه وعنفوانه، متمثلا فى مبادرات لم تقتصر قيادتها على المستثمرين فقط بل قد انضم وزراء سابقون أيضا!

وهو تطور قد يراه البعض محمودا وسابقة تحاول تلافى سلبيات الخبرات الإقليمية فى عمليات إعادة الإعمار، وتندرج ضمن ما بات يعرف فى أدبيات العلوم السياسية بمعضلة اليوم التالى أوThe day after .بحيث يتم الإعداد والتخطيط لمشاريع إعادة الإعمار بشكل جيد . بينما يرى البعض الآخر أنه يعكس مسعى محموما ومتهافتا ومتلهفا للإجهاز على الأرباح المالية قبل أن تؤتى ثمارها .

ولعل أبرز تلك المبادرات وأكثرها إثارة للجدل تلك التى تزعمها عبد الله الدرديرى، نائب رئيس مجلس الوزراء للشئون الاقتصادية سابقا الذى زار دمشق فى ربيع 2013 بصفته مديرا لإدارة التنمية الاقتصادية والعولمة فى اللجنة الاقتصادية لغرب آسيا «الاسكوا» التابعة لهيئة الأمم المتحدة، حاملا مشروعا لإعادة إعمار البلاد وتأهيل البنى التحتية فى سوريا بمختلف القطاعات .

وبرغم أن هذا المشروع أمميا بالأساس فإن تسويقه على يد الدرديرى جعله موضع انتقاد واسع النطاق، كون الرجل كان يترأس الفريق الاقتصادى لسنوات سبقت الأزمة السورية، فألقيت إليه تبعات أخطاء السلطات السورية على مستوى السياسة المعيشية فى أعقاب ثورات «الربيع العربى» ، فيما يرى آخرون أن الدرديرى كان من أبرز المخططين الاقتصاديين الذين نجحوا فى إدخال البلاد فى نظام السوق الاجتماعى، لكن أجهزة الدولة لم تواكب ما كان يعمل عليه.

تكلفة باهظة

«ثمة قاعدة غير رسمية حاكمة لعمليات إعادة الإعمار منحتنا إياها الذاكرة التاريخية تفيد بأن الدول بشكل عام تحتاج إلى نحو سبع سنوات لاستعادة عافيتها لكل سنة من سنوات الحرب الأهلية أو الصراعات الداخلية أيا كانت طبيعتها « تلك القاعدة التى يؤمن بصدقيتها مايكل بوريز مدير وحدة الاستجابة الإستراتيجية والطوارئ العالمية بمؤسسة «ميرسى «التى تقدم مساعدات للاجئين بعدد من الدول العربية .وبحسبة بسيطة وتطبيقا على المأساة السورية تصبح سوريا بحاجة إلى نحو 35 عاما لتتجاوز ما لحق بها من دمار.

وللغرابة فإن بعض التقارير الغربية وتقديرات عدد من الخبراء ذهبت إلى ذات النتيجة منذ سنوات، ففى عام 2013 صدر تقرير عن وكالة الأمم المتحدة للإغاثة يضع تقديرات للفترة الزمنية التى قد تستغرقها عمليات إعادة إعمار سوريا تصل إلى عدة عقود وبأن الاقتصاد السورى يحتاج إلى نحو 30 عاما، ليعود إلى ما كان عليه عام 2010. والخطير فى الأمر أن التقرير ذكر أن تلك التقديرات تصبح صحيحة وسارية فى حال توقف آلة الحرب العسكرية حاليا، أى وقت صدوره. فما بالنا وقد مضت عليه اليوم ثلاثة أعوام كاملة، بالتالى تصبح الدورة الزمنية مضاعفة مرات ومرات، بالنظر إلى حجم الخسائر .

فطبقا لتقديرات هيئة «الأمم المتحدة» يمكن حصر أهم الخسائر المادية فى الدمار الذى لحق بنحو 2، 1 مليون منزل، تدمير نحو نصف المستشفيات السورية، وقرابة 7 آلاف مدرسة، فيما يقدر حجم الخسائر بصورة مبدئية بنحو 270 مليار دولار .وقد وردت تلك الأرقام بتقرير نُشر أخيرا بصحيفة « الواشنطن بوست « الأمريكية فى شهر نوفمبر الماضى فى إطار حديث الصحيفة عن الأوضاع المأساوية بمدينة كوبانى، كنموذج للتحليل . أما الخسائر البشرية فقد خلفت الحرب السورية أكثر من 200 ألف قتيل ومليون جريح، ونحو 7 ملايين نازح و4 ملايين لاجئ . وتجدر الإشارة إلى أن تلك الأرقام مرشحة للزيادة بطبيعة الحال مادام أن مرجل الحرب لا يزال فى حالة الغليان.

وتشير معظم الدراسات إلى أن تكلفة إعادة إعمار سوريا لن تقل عن 200 مليار دولار، وتضع الأمم المتحدة تقديرات وحدود ما تستطيع الوصول إليه على الأرض من معلومات، وفى الجهة المقابلة يقوم قسم الإعمار فى مجموعة عمل اقتصاد سوريا بالعمل على الأرض بالتعاون مع مجموعات عدة من المهندسين يقومون بمسح الأضرار، وكذلك مع باحثين فى الداخل والخارج، مستعينين بصور الأقمار الصناعية من أجل تقدير هذه الأضرار. وبحسب بعض الخبراء فإن ما تكلفة إعادة إعمار سوريا ستعادل 10 أضعاف ما أنفقته الأمم المتحدة لإعادة إعمار العراق.

ومن أبرز التحديات التى تواجه تلك المشاريع تغير التركيبة الديموجرافية للعديد من المحافظات السورية ، فضلا عن هجرة القوى العاملة والطاقات العلمية السورية .

خطة مارشال

مجلة « فورين أفيرز « الصينية نشرت مقالا خطيرا بعنوان «خطة مارشال السورية» بتاريخ 27 أغسطس 2014. المقال استوحى من الخطة التى وضعت لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية بقروض أمريكية، ليرسم خطة مشابهة لسوريا لكن برعاية روسيا وكوريا الشمالية والصين وإيران.

المجلة انطلقت من كلام الرئيس السورى بشار الأسد «أمام وفد أردني» فى دمشق عن أنه «لن يسمح للمستثمرين الموالين للغرب ودول الخليج بالمشاركة فى إعادة إعمار سوريا»، لتقول إن من سيلعب هذا الدور هى الدول الحليفة لسوريا.

فروسيا بدأت التنقيب عن النفط والغاز فى البحر بين طرطوس وبانياس وفق اتفاق بلغت قيمته 90 مليون دولار مع وزارة النفط السورية. اتفاق آخر وقعته الحكومتان الروسية والسورية فى يونيو الماضى لإنشاء مشروع ريّ فى عين ديوار «محافظة الحسكة». المقال يلفت النظر إلى أن المكاسب الروسية من هذه المشاريع « ليست مالية بقدر ما هى سياسية «، إذ ستحافظ روسيا من خلالها على القاعدة العسكرية الوحيدة لها فى المنطقة والموجودة حالياً على الساحل السوري.

كوريا الشمالية اقترحت أيضاً المشاركة فى إعادة الإعمار، حسب «فورين أفيرز» وقد زار وفد كورى شمالى رئيس الوزراء السورى فى يونيو أيضاً لمناقشة الأمر. المجلة الأمريكية لفتت النظر إلى أن بيونج يانج « مادامت اعتبرت دمشق حليفة أساسية لها فى حربها مع الولايات المتحدة».

الصين أيضاً لم تتأخر فى إبداء عزمها على المساهمة فى قطاع الطاقة والحفاظ على كونها الشريك التجارى الأول لسوريا عام 2011. فشركة النفط الوطنية الصينية، تملك أسهماً فى أكبر شركتى نفط سوريتين، ووقعت اتفاقات بمليارات الدولارات معهما، حسب المقال.

لعبة المصالح الاقتصادية ـــ السياسية معكوسة مع إيران، إذ تشير المجلة إلى أنه، إضافة إلى الأهداف السياسية ـــ الإقليمية التى تسعى إيران لتحقيقها من خلال مشاركتها فى الحرب السورية، هناك أسباب اقتصادية أيضاً. ومساهمة إيران فى «خطة» إعادة الإعمار ستكون فى مدّ سوريا بالأسمنت، إذ تلعب إيران دوراً عالمياً ريادياً فى صناعته والاتجار به. مقال «فورين أفيرز» يذكر أيضاً المساعى التى قامت بها بعض قوى المعارضة السورية لتحسين الاقتصاد فى المناطق التى تسيطر عليها. لكن المشاريع التى حققتها المعارضة تعدّ «بسيطة جداً» بالمقارنة مع ما يقوم به حلفاء سوريا، حسب المجلة.

المقال لا يعطى أملاً للشركات الغربية أو الخليجية فى أى مشاريع مستقبلية فى سوريا، ويذكر أن جهود هؤلاء المبذولة فى هذا الاتجاه لا تزال فى بداياتها وهم «مترددون».

أرباح كاميرون

ألمح تقرير مهم نشر بموقع «جلوبال ريسيرش» أن بريطانيا شاركت فى سوريا وعينيها على أرباح إعادة الإعمار فوفقا للتقرير فقد أعلن رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، أن مليار جنيه استرلينى على الأقل، وهو مال دافعى الضرائب فى بريطانيا، سيذهب لتمويل إعادة الإعمار فى سوريا بعد القصف البريطاني.

جيوب الشعب البريطانى التى عانت من سياسة تقشف الحكومة ستستخدم لتصلح الضرر، ويبدو أن سياسة التقشف لحزب المحافظين كانت فقط أداة أيديولوجية لإعادة ترتيب المجتمع.

حيث قال كاميرون بالحرف الواحد، فى بيان بشأن اقتراحه المشاركة بالضربات على سوريا «يسألنى البرلمان عن دعم حكومة سورية جديدة لمرحلة إعادة البناء بعد الحرب، وجواب بريطانيا على هذا بالطبع نعم. ستسعد بريطانيا لتسهم بمليار جنيه استرلينى على الأقل فى هذه المهمة».

كاميرون يرى فرصة فى مأساة سوريا، فكل حديثه النارى عن تدمير الجهاديين المتوحشين ليس إلا كلامًا، فهو يحسب فوائد المقاولين البريطانيين الذين سينفذون إعادة بناء سوريا.

وعلى الفور تقفز إلى أذهاننا تجربة الحرب العراقية فى هذا المجال حين انتفعت عدة شركات من الغزو غير الشرعى للعراق وكثيرٌ منها شركات بريطانية. ويكشف هذا المقال بالتفصيل الشركات المنتفعة ، ولعل أشهر المستفيدين فى بريطانيا من الحرب العراقية شركة اكيس: وهي شركة أمنٍ وإدارة مخاطر، وقعت عقدًا بـ 250 مليون جنيه استرلينى لتنسيق العمليات الأمنية الخاصة فى العراق. «إيرنيزو» هى شركة أمن خاص فى لندن، أخذت عقدًا بقيمة 90 مليون لتأمين حقول النفط فى العراق. أما شركة أرمور هولدينغ، فقد وفرت تجهيزات عسكرية وأمنية فى الحرب العراقية، ما رفع أرباحها بنسبة 2000 بالمائة بين عامى 2001 و2008 ، فإن BBC بالتالى ليست الوحيدة فقط التى تحصد الأرباح فإن أرباح شركة «بى. إيه. آى. سيستمز» ارتفعت بقدر 500 مليون جنيه استرلينى فى 2013 بعد توقيع عدد من العقود مع الولايات المتحدة والحكومة البريطانية وصلت قيمتها لـ 10 مليارات جنيه استرلينى.

هذه المؤسسة بالتحديد تحصد أرباحا من الحرب على الإرهاب وهذه نتيجة يريد كاميرون أن يصل لها. وكما يقول المحقق الصحفى جايمس رايزن فى كتابه «ادفع أى ثمن»، فكثيرون يرون الفرص من هذه الحرب التى لا نهاية لها . فهل تعد سوريا السوق الجديدة الواعدة أمام تلك الشركات .

المصدر الأصلي

ثيمات
• 
• إعادة الإعمار بعد الكوارث
• إقليمي
• الإخلاء القسري
• التشريد
• الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
• المهاجرين بالداخل
• النزاع المسلح/ العرقي
• جبر الضرر/ استعادة الحقوق