فقدان 700 ألف فدان خلال 20 عامًا.. وتحويل أصحاب الأراضي إلى أُجراء

المبيدات المسرطنة أم الجرائم فى حق البشر والزرع

فى محكمة الشعب، تتحول شوارع مصر إلى قاعات للقضاء والقصاص العادل، وأمامها يقف الرئيس المخلوع حسنى مبارك، لكنه لن ينتظر حكما على ما ارتكبه من جرائم فى حق المصريين، على مدار 30 عاما، فالحكم صدر سلفا، والقضاة هم كل فلاح تشرد من أرضه بعدما حولته «دولة مبارك» إلى أجير فيها، وكل مريض توفى لأنه لم يجد ثمنا للعلاج، وكل شاب غرق فى البحر عندما حاول الهرب من جحيم البطالة.. هذه هى المحاكمة التى يستحقها النظام الأسبق، قانونها مكتوب على وجوه الشعب.

«الشروق» حاولت رسم صورة لأحوال الفلاحين والزراعة المصرية على مدار 30 عاما تحت حكم مبارك، لتكشف عمليات الإعدام البطيئة، عمليا ومعنويا ضد الأراضي والفلاحين والمستهلكين، ورغم أن 90% من التصنيع الزراعى يقع على عاتق الفلاح، مقابل 10% فقط على الآلات والمصانع، إلا أن الفلاحين ظلوا الحلقة الأفقر فى حلقات الأرباح التجارية التى تجنيها السوق من الأغذية الزراعية، وفى مقدمتهم التجار، والوسطاء، والجهات الحكومية، والعمال غير الزراعيين، نتيجة القرارات السلبية لمبارك ضدهم، والتي جاء معظمها فى فترة التسعينيات.

تحويل الفلاح إلى أجير

فى عام 1992 طردت الحكومة آلاف الأسر من الأراضي الزراعية التي انتفعوا منها بموجب قانون الإصلاح الزراعي، الذي أصدرته ثورة 23 يوليو 1952، ولم توفر الحكومة للمطرودين بدائل أو أراضى جديدة لزراعتها، عوضا عن أراضيهم القديمة، وبعد 6 سنوات، أغلقت وزارة الزراعة باب تقدم المتضررين من قانون العلاقة بين المالك والمستأجر، رقم 96 لسنة 1992، للحصول على أراض بديلة، ومنذ هذا التاريخ حتى الآن لم يصل إلى الفلاحين أي رد من الوزارة على مطالبهم.

ويظهر من تتبع إجراءات الحكومة خلال فترة حكم مبارك أنها لم تنجح فى تعويض مستأجري الأراضي المتضررين من قانون العلاقة بين المالك والمستأجر، الذي غير طبيعة العلاقة بين مستأجري أراضى الإقطاع، التي وزعها الرئيس الأسبق جمال عبدا لناصر على 900 ألف فلاح وأسرهم، بموجب قانون الإصلاح الزراعي، الذي كان يقضى بألا يزيد الحد الأقصى لملكيات الأراضي على 50 فدانا، حيث تم إقراره بصورة تدريجية، وكان يقضى بتوزيع أراضى «الإقطاعيين» على العمال الزراعيين الأجراء.

ويقضى القانون رقم 96 بعدم السماح لمن يملك أكثر من خمسة أفدنة باستئجار الأرض، وتضمن أنه خلال الفترة الانتقالية للتطبيق من 1992 إلى 1997 يتم رفع الإيجار إلى 22 مثل الضريبة، أى من 200 إلى 500 جنيه، وفى نهاية السنوات الخمس تنتهى عقود الإيجار، وتعود الأراضي إلى الملاك، الذين يصبح من حقهم التصرف فيها بحرية مطلقة.

قروض بنك التسليف

منذ التسعينيات، حصل المزارعون على قروض من بنك التنمية والائتمان الزراعى بضمان الأراضى الخاصة بهم، والمستهدف استصلاحها فى المناطق الصحراوية فى الوادى الجديد، وأراضى الدلتا، وواجه مئات المزارعين مشاكل فى سداد ديونهم لدى البنك، بسبب التوقف عن الزراعة، أو تعطل ماكينات رفع المياه، أو الجفاف التام، إلا أن السبب الأهم هو عدم وجود مراكز تسويق فى المحافظة، أو وجود فساد فى البنك، لم تتعقبه الحكومات ولا الرئاسة، حيث تضخم أصل القرض بموجب ما يسميه البنك «القروض الدوارة».

ووفقا لتقرير صدر عن مركز الأرض لحقوق الإنسان، فإن إجراءات البنك تجعل أصل القرض الذى يبلغ عشرة آلاف جنيه يصل إلى أكثر من 50 ألفا، بسبب الفوائد المرتفعة والغرامات والقروض الدوارة، كما أن انتشار الفساد والرشوة فى فروع البنك يجهض أحلام مئات الآلاف من الفلاحين فى السداد، ووقف الملاحقة البوليسية، بحسب التقرير.

تآكل الأراضي

يكشف تقرير صادر عن هيئة الاستشعار من بعد، أن استخدام تقنيات الاستشعار من بعد، ومراقبة الأراضي الزراعية بالأقمار الصناعية، يبين أن مصر فقدت أكثر من 700 ألف فدان أراض زراعية خلال الـ20 سنة الماضية، حتى عام 2010، بمعدل يتجاوز الـ30 ألف فدان سنويا، بسبب زيادات معدلات البناء على الأراضي الزراعية فى الدلتا والوادي.

وزادت معدلات نهب الأراضي الزراعية والبناء عليها وتجريفها بصورة غير مسبوقة، بدءا من 25 يناير 2011، وحالة الانفلات الأمنى التى أعقبت الثورة، حيث تشير إدارة حماية أراضى الدولة التابعة لوزارة الزراعة فى تقاريرها الشهرية، الخاصة برصد التعديات على الأراضي، إلى «25 يناير» باعتباره بداية «عداد» فقدان الأراضي.

المبيدات المسرطنة.. انهيار أكباد الفلاحين

قضية المبيدات المسرطنة هي القضية الأشهر التي تقدم بها نائب مجلس الشعب آنذاك، مصطفى بكرى، يتهم وزير الزراعة الأسبق، يوسف والى، بالسماح بدخول مبيدات مسرطنة للبلاد، بضغط من رجال أعمال يرتبطون بمصالح مباشرة برجال الوزارة وفى مقدمتهم يوسف عبد الرحمن، وكيل وزارة الزراعة، حيث خرقت الوزارة القرار رقم 874 لسنة 96 الذي يضع محاذير على استيراد وتداول المبيدات من الخارج، وتلاعب رجال الوزارة فى القرار وسمحوا بدخول كميات كبيرة من المبيدات التي ثبت خطورتها وكونها «مسرطنة» بمعرفة لجان حكومية قامت بتحليل المبيدات ومعرفة مخاطرها وأضرارها على الصحة العامة والمستهلكين. وفى عام 2010 أصدرت محكمة الجنايات حكما بسجن يوسف عبد الرحمن 10 سنوات، وعزله من منصبه.

وفى مطلع عام 2012 تبنت نقابة الفلاحين رفع دعوى قضائية ضد يوسف والى وكل المسئولين الذين سمحوا بدخول مبيدات مسرطنة خلال عام 2000، وضد الرئيس المخلوع حسنى مبارك بصفته المسئول السياسي عن تفشى أمراض السرطان والفشل الكلوي بين الفلاحين، ما تسبب بحسب النقابة فى تفشى أمراض الفشل الكلوي والكبدي بين الفلاحين بنسبة تقترب من الـ 70% من إجمالي المصابين بالمرض، وسرطنة الأغذية والخضراوات والفواكه، لكن أحدا من قيادات النقابة لم يستكمل إجراءات الدعوى القضائية.

المصدر الأصلي

عن فساد الأراضى فى عهد مبارك.. حدِّث ولا حرج

«مدينتى وبالم هيلز والعياط» نماذج من صفقات بيع الأراضى الرخيصة

حكايات وضع اليد على مساحات واسعة من الأراضى.. لا تنتهى

مدينتى.. أرض العياط.. شرق العوينات.. بالم هيلز.. قائمة طويلة من الأراضى التى تم إهدارها فى عهد مبارك، تحت دعوى تشجيع الاستثمار.

«الشروق» تعرض أهم قضايا الأراضى التى تم الاستيلاء عليها فى عهد مبارك، وأثارت جدلا كبيرا، وإن كان عدد منها تم حفظه، والعدد الآخر تم التصالح فيه، أو تم حفظ القضية.

أرض العياط

فى عام 2002، فى عهد رئيس الوزراء السابق، أحمد نظيف، اعتمد يوسف والى، وزير الزراعة حينئذ، تخصيص عقود 26 ألف فدان فى العياط على ترعة الإبراهيمية، ضمن حزمة أراضى تابعة لهيئة التنمية الزراعية بالحزام الأخضر، إلى الشركة المصرية الكويتية مقابل 200 جنيه للمتر بغرض الزراعة.

وقد قامت الشركة المصرية الكويتية بالاحتفاظ بالأرض طوال 6 سنوات ثم تقدمت بطلب تحويل هذه المساحة إلى أراضى بناء، ووافق رئيس الوزراء الاسبق احمد نظيف على هذا الطلب، ليرتفع سعر متر الأرض فى المنطقة التى استحوذت عليها الشركة إلى 1000 جنيه دفعة واحدة.

مدينتي:

فى تاريخ 22/6/2010، فجر مجلس الدولة «زلزالا» هز أركان النظام الإدارى للدولة عندما أصدرت دائرة العقود بمحكمة القضاء الإدارى بالقاهرة حكما ببطلان عقد بيع أرض مدينتى، الذى تم بسعر 200 جنيه للمتر شاملة المرافق، حيث سجلت المحكمة بهذا الحكم تاريخا جديدا فى الرقابة على العقود الإدارية، وهى العقود التى طالما استخدمتها حكومات مبارك فى تقسيم وبيع أراضى بمساحات شاسعة وفى مواقع مميزة وبأثمان بخسة، وكان أغلبها العديد منها يتم بيعه بالأمر المباشر، ودون اتباع لقانون المزايدات والمناقصات، فى الوقت الذى كان يتم فيه اشتراط عقد قرعة أو مزاد حال طلب مواطنين عاديين الحصول على قطعة أرض لبناء منزل.

بالم هيلز:

بتاريخ 23/8/2006 تم توقيع عقد بين شركة بالم هيلز والتى يمثلها ياسين منصور ــ طرف أول مشترى، وبين هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة والتى يمثلها أحمد المغربى وزير الإسكان ــ طرف ثان بائع، حيث باعت الهيئة للشركة مساحة تسعمائة ستة وستون ألف متر مربع فى القاهرة الجديدة، مقابل مبلغ مقداره مائتان وواحد وأربعون وخمسمائة ألف جنيه، بواقع 250 جنيها للمتر الواحد ، وتم البيع بالأمر المباشر، مع العلم أن الطرف البائع وزير الإسكان، ابن خالة الطرف المشترى ــ ياسين منصور، ليس هذا فحسب بل إن الوزير مساهم فى رأسمال الشركة التى باع لها هذه الأرض.

وقام حمدى الفخرانى، محام، برفع قضية فى سبتمبر 2010 ضد تخصيص الأرض للشركة، بعد تأييد الإدارية العليا لحكم بطلان عقد مدينتى، وأثناء نظر القضية تمكن من الحصول على مجموعة مستندات تؤكد أن علاء مبارك أحد المساهمين الرئيسيين فى رأس مال شركة بالم هيلز بالإضافة لوالد زوجة شقيقه جمال ــ وهو ما عكس بوضوح شبكة العلاقات فى هذه الصفقة.

أرض كايرو فيستيفال سيتي:

ترجع أزمة هذه الأرض إلى 1997، حين قامت الحكومة المصرية بتخصيص 700 فدان بالقاهرة الجديدة إلى مجموعة «الفطيم» الإماراتية لإقامة مشروع «كايرو فيستيفال سيتى»، بقيمة 3.2 مليار جنيه، وهو ما يعد أقل من القيمة الإيجارية للمشروع حينئذ. وتم تعديل العقد 2007 وسددت الشركة مبالغ إضافية، لكن تقارير رقابية أوردت وجود مخالفات تمثل فارق السعر بين التخصيص والثمن الحقيقى للأرض التى تقيم الشركة عليها مشروع كايروفيستيفال سيتى.

وأعلنت مجموعة الفطيم العقارية، الأسبوع الماضى، عن التوصل إلى اتفاق نهائى لتسوية أرض المجموعة بالقاهرة الجديدة مع المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، وهى الأرض المقام عليها مشروع كايرو فيستفال سيتى. وتضمنت التسوية، تعديل عقد بيع الأرض وبموجبه ستقوم مجموعة «الفطيم بسداد» 218 مليون جنيه، لهيئة المجتمعات العمرانية دفعة واحدة منها 86 مليون قيمة 3 أقساط قديمة على المجموعة للهيئة، وذلك بعد ان كانت قد عرضت تسديد مبالغ أعلى تصل إلى 5 مليارات جنيه من قبل.

بالإضافة إلى الحالات السابقة فهناك أراض في طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوى، على امتداد نحو 255 ألف فدان، والتى تم تخصيصها للعديد من المستثمرين، لينحرف مسار التنمية فيها من الاستصلاح والزراعة إلى مشروعات سكنية تتسم بمزيد من الرفاهية، حتى أطلق عليها أصحابها منتجعات سياحية.

وكشف حصر للأراضى التى تعدى عليها رجال أعمال وجمعيات خاصة وأخرى تتبع جهات فى الدولة عن وجود عشرات الآلاف من الأراضى المتعدى عليها بطريق القاهرة الإسكندرية الصحراوى. ففى أراضى وادى النطرون وحدها وضعت جمعية ضباط الشرطة يدها على مساحة 5953، كما وضع نادى قضاه البحيرة يده على 6 آلاف فدان لا تزال بور بالكامل، كما شملت التعديات أيضا مزرعة الجبالى بإجمالى مساحة 12 ألف و516 فدان لم يزرع منها سوى 1232 فدانا.

فضلا عن هذا، فأراضى الجانب الشرقى من الطريق الصحراوى لم تشهد حتى الآن تسجيل عقود بيع أو إيجار لمساحات عديدة تتراوح بين 4 آلاف فدان وعشرات الأفدنة لأثنتى عشرة حالة تعد كاملة، ويسعى واضعو اليد لتقنين أوضاعهم عليها.

اللافت فى قضايا التعديات أن عددا كبيرا من قرارات الإزالة صدرت بشأنها منذ ما يزيد على 4 سنوات ولم تنفذ بدعوى «الدراسات الأمنية» التى تجريها وزارة الداخلية.

المصدر الأصلي