عرف الأمين العام للأمم المتحدة (( العدالة الإنتقالية )) بأنها تشمل :
كامل نطاق العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها المجتمع لتفهم تركة من تجاوزات الماضي الواسعة النطاق بغية كفالة المسائلة وإحقاق العدل وتحقيق المصالحة وقد تشمل هذه الآليات القضائية وغير القضائية على السواء.
فما يعيشه وطننا الحبيب اليمن السعيد هو نتائج لعدم تحقيق العدالة الانتقالية فجميع دورات العنف في جميع انحاء اليمن خلال عشرات السنوات الماضية لم تتحقق بعدها عدالة انتقالية كان يتم السكوت عنها وعن ضحاياها مما عزز من شعور الضحايا بالثأر والانتقام عندما تتاح له الفرصة وفي المقابل الطرف الاخر في المعادلة يقوم بمحاولة كبت أي محاولة لتوضيح واعلان ادعاءات الضحايا.
وكان مصطلح العدالة الانتقالية قد انتشر بشكل واسع بعد ثورة عام 2011م باعتبارها مخرج مناسب لليمن ولكن؟
لم تستمر عجلة العدالة الانتقالية في الانطلاق وتم وضع الدواليب في عجلات العدالة الانتقالية فتم ايقاف مشروع قانون العدالة الانتقالية في مجلس النواب ولم يتم استمرار عمل اليات العدالة الانتقالية وفي مقدمتها لجان معالجة قضايا الاراضي والمبعدين في الجنوب وغيرها من الاليات.
وبعدما حصل منذ عام 2011م وحتى عامنا هذا 2015م الذي شارف على الانتهاء مازال يتساءل الجميع في اليمن هل مازال هناك فرصة لتحقيق العدالة الانتقالية في اليمن بعد هذا الكم الكبير من الضحايا والدمار ؟
واجيب بصوت مرتفع نعم مازالت هناك فرصة وهي الفرصة الوحيدة بتحقيق العدالة الانتقالية في اليمن بجميع اركانها دون اجتزاء او تغيير او تعامي.
ومن المفترض ان يتم تحقيق العدالة الانتقالية في اليمن بجميع اركانها المعروفة وهي كالتالي:
الركن الأول : لجان الحقيقة:
تعتبر لجان الحقيقة ركن هام ومدخل للعدالة الانتقالية بحيث تقوم لجان الحقيقة بسماع الضحايا والجلادين لتتضح الحقيقة للجميع دون اخفاء او تغييب او مماطلة ويتم بموجبها تشخيص الخلل والسبب لتسهيل المعالجة لها .
الركن الثاني: جبر الضرر للضحايا
يعتبر جبر الضرر في منظومة العدالة الانتقالية هام جداً لانهل ايمكن ان تتحقق العدالة الانتقالية وينتقل المجتمع الى مستقبل افضل دون جبر ضرر الضحايا وانصافهم وجبر الضرر له عده اشكال وطرق اهمها:
1- الاعتراف والاعتذار : يعتبر من اهم ادوات جبر الضرر في العدالة الانتقالية الاعتراف اعتراف الجناة بارتكابهم انتهاكات حقوق الانسان وبما يؤدي الى تهدئة خواطر الضحايا وايضا الى شعور الجلاد بالظلم الذي احدثه للضحايا وغالباً اذا اعترف الجلادين بانتهاكاتهم الانسانية للضحايا غالباً ما يجنح الضحايا للحلول التوافقية وبما لا يؤدي الى افلات الجلادين من العقاب وايضاً امكانية تخفيف العقاب للجلادين.
2- التعويض المعنوي : تخليد الضحايا ومأساتهم نتيجة الانتهاكات الانسانية والاعتذار لهم وتمجيد جهودهم والرفع من شانهم يعتبر تعويض معنوي هام يرفع معنوياتهم التي انتقصت نتيجة الانتهاك
3- التعويض المادي : نتيجة الانتهاكات الإنسانية التي حصلت للضحايا حصلت عليهم إضرار مادية بانتهاك وتدمير والسيطرة ومصادرة ممتلكاتهم ويستوجب لتحقيق العدالة إعادة تلك الممتلكات إلى أصحابها ليتحقق الرضى الحقيقي بالعدالة والإنصاف بالإضافة الى التعويض المناسب للضحايا خلال فترة حرمانهم من تلك منافع تلك الممتلكات وأيضا قد يكون نتج عن تلك الانتهاكات الإنسانية للضحايا فقدان قريب أو إصابة الشخص نفسه بإصابات جسدية او نفسية يستوجب جبر تلك الإصابات وتعويضها التعويض المناسب
4- التعويض الفردي والتعويض المجتمعي للضحايا:
قد يكون الضرر الحاصل نتيجة الانتهاك للضحايا ضرر مجتمعي تدمير منشئات صحية مائية زراعية مدارس ومنشئات ودور العبادة للمنفعة العامة للمجتمع وغيرها تضررت من ذلك الفعل المجتمع يستوجب اعادة بناء تلك المنشآت المجتمعية لتعود للقيام بمنافعها المجتمعية ويستوجب التعويض المجتمعي لها.
اما اذا كان الضرر فردي لشخص او عائلة محددة فيتم تعويضهم دون تعارض التعويض المجتمعي مع التعويض الفردي
5- تناسب التعويض مع الضرر والإمكانيات المتاحة:
يجب أن يتناسب التعويض مع مقدار الضرر الحاصل على الضحايا فإذا كان الضرر إبعاد عن الوظيفة العامة أو حرمان من امتيازات وظيفية فيستوجب إعادة المتضرر إلى عملة مع تعويضه عن فترة الإبعاد تعويض مناسب مادياً وأيضا وظيفياً.
وإذا كان الضرر نهب أو مصادرة ممتلكات فيجب إن يكون تعويض يتناسب مع مقدار الضرر بحسب ما كانت علية الممتلكات عند المصادرة أو التدمير وليس بوضعها الحالي وان يكون أيضا التعويض إن لم يكن في الإمكان إعادة الممتلكات للضحية نتيجة التلف ولأي سبب أخر فيجب إن يكون التعويض مكافئ للممتلكات المصادرة أو التي تم تدميرها.
وهناك سقف وحيد للتعويض هو فقط الإمكانيات المتاحة لتعويض ضحايا الانتهاكات
الركن الثالث: المحاسبة:
يعتبر المحاسبة هام جداً لكل من ارتكب الانتهاكات بان يتم إقرارهم بتلك الانتهاكات لفتح صفحة جديدة خالية من أي انتهاكات العقوبات و محاسبة كل من انتهك الضحايا وبما يؤدي الى إنزال عقوبات فاعلة تمنع تكرارها مستقبلا فمثلا إبعاد الجلاد من الوظيفة العامة وانتقاص امتيازاته وإعادة ما نهبه إلى الضحايا وإذا كانت المنهوبات من أملاك الدولة يتم استعادتها بشفافية ونزاهة لخزينة الدولية مع وجوب احتفاظهم ببعض الممتلكات البسيطة التي تسير حياتهم الإنسانية العادية كمواطن عادي .
الركن الرابع: الإصلاح المؤسسي لأجهزة الدولة :
لا يمكن أن تكون هناك انتهاكات واسعة لحقوق الانسان في أي دولة دون ان يكون هناك سبب مباشر او غير مباشر من أجهزة الدولة إما أن تكون أجهزة الدولة هي التي قامت بالانتهاك وكانت هي سوط الجلاد اولم تقم الدولة بأجهزتها بإيقاف تلك الانتهاكات بالرغم من استطاعتها .
وهذا يستوجب إعادة بناء أجهزة الدولة والإصلاح المؤسسي لها بما يؤدي الى تفعيل عملها المفترض لحماية المواطنين من أي انتهاك وإيقاف أي انتهاكات مستقبلية نتيجة الخلل المؤسسي لأجهزة الدولة.
الركن الخامس : اتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع تكرار تلك الانتهاكات مستقبلاً
عند الاستماع للضحايا وتحديد وتشخيص الانتهاكات التي وقعت عليهم يستوجب أن يتم أيضا التحقق من اختلالات أجهزة الدولة والتي منعتها من القيام بعملها او حرفتها عن قيامها بعملها وتحولت تلك الأجهزة إلى سوط بيد الجلاد أو تعاملت بسلبية تجاه الضحايا والجلادين .
وباعتبار العدالة الانتقالية تقوم على نقل المجتمع من حال إلى حال أخر بإجراءات استثنائية فيستوجب أن يتم اتخاذ إجراءات لمنع تكرار تلك الانتهاكات مستقبلا لكي لا يصبح العدالة الانتقالية ممر امن للمنتهكين ولكي لا تسقط ضحايا جدد ويدخل الوطن في دورات عنف أخرى.
الركن السادس عدم التمييز:
يعتبر من أهم أركان العدالة الانتقالية عدم التمييز في الضحايا والجلادين فيكون الجميع متساويين من ارتكب انتهاك يحاسب دون تمييز لأي طرف والضحايا كذلك يتم إنصافهم دون تمييز وهذا هو جوهر العدالة الحقيقية
وفي الأخير :
أناشد جميع الأطراف في اليمن وأيضا المجتمع الدولي إلى سرعة مناقشة وتنفيذ العدالة الانتقالية في اليمن باعتبارها الحل الوحيد والمخرج المناسب لما يعيشه وطننا الحبيب اليمن السعيد وبما يجبر ضرر الضحايا ويحقق العدالة وينقل وطننا الى مستقبل أفضل خالي من الانتهاكات .
إيقاف الحرب في اليمن باتفاق أطراف الصراع ليس حل وستظل معاناة الضحايا الغام في المستقبل المنشود تتفجر في كل وقت والاختلالات المؤسسية قائمة ويدخل الوطن في دوامة حروب لا تتوقف حتى تشتعل أكثر من السابق إن لم يتم تحقيق العدالة الانتقالية بكافة أركانها.
ثيمات |
• إقليمي • الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية • الحوادث • الشعوب القبلية • العدالة الانتقالية • المعدمين • النازحين • النزاع المسلح/ العرقي |