إعادة الإعمار في غرب سوريا تصطدم بشح الموارد وغياب الأمل

جنديرس (سوريا)—متطوعون يقفون على أنقاض مبنى تضرر جرّاء الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا، في قرية الملمند الخاضعة لسيطرة المعارضة في محافظة إدلب، سوريا.

تبخرت معظم آمال المواطن السوري حسين منكاوي في إعادة بناء منزله أو حتى العودة لعمله في بيع الأغذية بالتجزئة في مدينة جنديرس شمال غرب سوريا، بعد أن حوّل الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة الشهر الماضي منزله وعمله إلى أنقاض.

وقال حسين منكاوي وهو واقف وسط أنقاض منزله في المنطقة الخاضعة لسيطرة جماعات المعارضة المسلحة "ما الذي يمكن أن نفعله؟ سننصب خيمة بدلاً من المنزل. ليس هناك سوى الخيام".

وشهد السادس من فبراير أسوأ كارثة طبيعية تضرب المنطقة في التاريخ الحديث إذ ضرب زلزالان وتوابعهما القوية مناطق في تركيا وسوريا، ما أسفر عن وفاة أكثر من 56 ألفاً في الدولتين.

وتعهدت تركيا ببدء جهود تقودها الدولة لإعادة بناء أكثر من 300 ألف منزل خلال العام الأول، أما حكومة سوريا التي تفتقر إلى السيولة فقد أسست صندوق تعويضات للمنكوبين وقدمت مواقع إيواء مؤقتة للمشردين.

لكن من غير المرجح أن تصل تلك المساعدات إلى شمال غرب سوريا حيث يقع جيب يخضع لسيطرة جماعات من المعارضة المسلحة مناهضة للحكومة رغم أنه يؤوي 4.5 مليون نسمة من بينهم مليونان كانوا يعيشون بالفعل في مخيمات نزوح حتى قبل الزلزال، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.

وتواجه منظمات دولية صعوبات جمة في الوصول إلى المنطقة بشكل منتظم وليس هناك جهد ملحوظ ولا مركزي لإعادة البناء.

معاناة وصعوبات

وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من مئة ألف تشردوا في المنطقة منذ أن وقع الزلزال الأول في السادس من فبراير.

ويحاول السكان الاعتماد على أنفسهم في ظل العوز وانعدام الخيارات والدعم.

ويستعيد منكاوي قدر ما يستطيع من متعلقاته من وسط الركام بمساعدة مقاول محلي وافق على إزالة أنقاض منزله مقابل الاحتفاظ بالمعادن التي سيجدها، في اتفاق يسلط الضوء على البؤس الذي تعاني منه المنطقة.

وقال "لا يساعدنا أحد على الإطلاق. لم نرَ شيئاً".

في جنديرس، وهي من أكثر المناطق تضرراً من الكارثة، قال محمود حفار رئيس المجلس المحلي إن نصف عدد مدارس جنديرس البالغ 48 يحتاج إلى إعادة بناء أو ترميم، إضافة إلى شبكات مياه وصرف تمتد نحو 20 كيلومتراً، فضلاً عن أغلب طرق وشوارع المدينة.

وأضاف أن السلطات المحلية لا تمتلك الموارد اللازمة لإعادة البناء.

وقال "بصراحة، القدرات المحلية محدودة جداً و(إعادة البناء) ستتطلب مساعدة دولية... ليس هناك تمويل واضح لإعادة الإعمار والترميم".

مساعدات.. وليس إعادة إعمار

وتعهدت جهات مانحة في مؤتمر عقد بقيادة الاتحاد الأوروبي، الاثنين، بتقديم سبعة مليارات يورو (7.5 مليار دولار) للمساعدة في إعادة الإعمار في تركيا.

لكن هناك عقوبات مفروضة بالفعل على دمشق من الاتحاد الأوروبي الذي قال إنه سيموّل المساعدات الإنسانية فقط والجهود المبكرة للتعافي من الأضرار، ولكنه لن يقدم دعماً مالياً لعمليات إعادة إعمار شاملة دون إجراء حوار سياسي بين الرئيس السوري بشار الأسد وخصومه.

ويقول ثلاثة دبلوماسيين يعملون في سوريا إن تمويل دول أجنبية لعمليات إعادة الإعمار في المنطقة التي تسيطر عليها جماعات المعارضة المسلحة يواجه المزيد من العقبات.

ويوضحون أن وجود جماعات مسلحة متنافسة في المنطقة هو من المشكلات الرئيسية، وأشاروا إلى أن الجماعة الأكثر نفوذاً هناك، وهي هيئة تحرير الشام المصنفة كمنظمة إرهابية من الولايات المتحدة والأمم المتحدة أيضاً.

يرى كرم شعار وهو خبير اقتصاد سياسي في معهد الشرق الأوسط أن أغلب المساعدات الدولية التي وصلت إلى المنطقة على مدى العقد المنصرم تم توجيهها للإغاثة الإنسانية وليس لإعادة الإعمار، وهو نهج سيستمر على هذا النحو على الأرجح.

وقال "في المستقبل المنظور، سيستمر الناس في الاعتماد على التمويل الخاص لإعادة تأسيس بناياتهم أو سينتقلون فحسب للعيش في خيام بدلاً من ذلك".

وقبل أن يضرب الزلزال المنطقة شرع "فريق ملهم"، وهو منظمة خيرية غير حكومية، في بناء 1500 وحدة في مجمع سكني في أعزاز على أمل تحقيق هدف طموح وهو نقل الأسر التي تعيش في خيام إلى منازل مناسبة، وفقاً لبراء بابولي أحد أعضاء الفريق.

واستلهم الفريق عمله من إدراك حقيقة عدم قدرة السوريين على الانتظار للمساعدة من الخارج. ويتم جمع الأموال لعمل الفريق عبر التمويل التشاركي من خلال الإنترنت.

مبادرات محلية

وبعد الزلزال، أطلق فريق ملهم مناشدة جديدة وجمع أكثر من 11 مليون دولار مخصصة لتشييد 2300 وحدة سكنية إضافية في إدلب وسقلين وحارم، وكلها مناطق تضررت بشدة من الزلزال.

وفي الوقت ذاته، قال مطورون عقاريون في المنطقة إنهم بدأوا في تعديل خططهم للبناء بحيث تتلاءم مع صدمة الزلزال والنقص المحتمل في خامات البناء.

ويقول عبده زمزم مدير شركة محلية للبناء إن المشروعات قبل الزلزال كانت تتألف في الغالب من بنايات من أربعة إلى خمسة طوابق، لكن المشاورات مع السكان في المنطقة أظهرت أن أغلب الناس يريدون العيش في بنايات من طابق أو طابقين فقط لأنهم يعتبرونها أكثر أماناً.

إن مواد البناء في المنطقة مستوردة بالكامل تقريباً من تركيا، ما أثار مخاوف من أن المنطقة السورية ستواجه نقصاً فيها بمجرد بدء عمليات إعادة الإعمار الضخمة عبر الحدود أو أن الأسعار سترتفع مما سيزيد الصعوبات والمعاناة.

ويقول مطورون عقاريون ومسؤول في نقطة حدودية سورية إن أسعار الأسمنت وحديد التسليح ارتفعت بالفعل بنسبة 30 بالمئة تقريباً من 85 دولاراً إلى أكثر من 120 دولاراً لطن الأسمنت ومن 600 دولار إلى 800 دولار لطن حديد التسليح.

وقال مسؤول تركي بارز إن السلطات لم تفرض قيوداً على تصدير الخامات المطلوبة للبناء مثل الأسمنت والرمل والقرميد، وليس لديها خطط لتفرضها إذ إن تلك الخامات متوفرة بغزارة في تركيا.

وفي معبر "باب الهوى" على الحدود التركية السورية تنتظر طوابير طويلة من الشاحنات، الكثير منها محمل بالأسمنت من مصانع مقرها جنوب تركيا اشتراها تجار لحسابهم الخاص في سوريا، للعبور إلى شمال غرب سوريا.

ومن المعبر ذاته، عاد عشرات الآلاف من السوريين لبلادهم بعد أن قرر الكثير منهم إعادة بناء حياتهم في شمال غرب البلاد، ما هدد بزيادة الضغط على قطاع الإسكان المضغوط أصلاً.

وقال مازن علوش المسؤول في المعبر الحدودي المعيّن من جماعات المعارضة المسلحة السورية إن نحو 55 ألف سوري عادوا منذ منتصف فبراير.

وعمل الشاب السوري أحمد الأحمد (22 عاماً) في الحياكة في مدينة كهرمان مرعش التركية التي دمرها الزلزال، وقال إنه عاد إلى سوريا بعد أن لحقت أضرار جسيمة بمنزله ومقر عمله، ولكنه لا يعلم ما الذي ينتظره في سوريا.

وقال وهو ينتظر السماح له بالعبور مع أسرته "كنا نسعى لحياة أفضل.. هاجرنا لنستقر والآن نعود إلى المربع الأول.. نزوح من بعد نزوح".

المقالة الأصلية

الصورة: نصف مليون شخص بدون مأوى في حلب يواجهون خطر كارثة جديدة. بين أزقة ضيقة في المدينة القديمة، يلملم سكان مدينة حلب حجارة منازلهم المتناثرة في محاولة ترميم فردية وبدائية، لجأ إليها الناس مضطرون لعدم وجود منازل تأويهم. المصدار: الشرق للأخبار.

ثيمات
• 
• الإجراءات الاجتماعية المصاحبة
• الانتاج الاجتماعي للموئل
• التخفيف من حدة الكوارث
• الحوكمة المحلية
• السياسات العامة
• المأوى النؤقت
• الموازنات والبرامج العامة
• النازحين
• النزاع المسلح/ العرقي
• تدمير الموئل
• جبر الضرر/ استعادة الحقوق
• محدودي الدخل
• وطني