منظمة العفو توثق عمليات إخلاء قسري ممنهجة وتدمير منازل وعدم تعويض أو استشارة المتضررين
التقرير أشار إلى أن المشروع الذي تنفذه الحكومة الإثيوبية تسبب في طرد ما لا يقل عن 872 شخصاً قسراً في نوفمبر 2024 من مدينتي بولي وليمي كورا الفرعيتين في أديس أبابا وحدها، بينهم 114 طفلاً و13 مسناً. ولم تتلق أي من الأسر الـ47 التي شملها المسح تعويضاً
رغم امتلاك عديد منها منازل معترفاً بها قانوناً.
أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً حمل رقم "AFR 25/9098/2025"، حثت فيه الحكومة الإثيوبية على تعليق مشروع "تطوير الممرات" فوراً، نظراً إلى الأضرار الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي رافقت المشروع.
ويعد مشروع "تطوير الممرات" مبادرة وطنية لتجديد المدن تنفذ بـ58 مدينة في الأقل، بما في ذلك أديس أبابا وجيما وهاواسا. ويوثق التقرير عمليات إخلاء قسري ممنهجة، وتدمير منازل، وعدم تقديم تعويضات أو استشارة المجتمعات المتضررة. واصفاً تلك الأفعال بأنها تتضمن انتهاكات واسعة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وأشار التقرير إلى أن المشروع الذي تنفذه الحكومة الإثيوبية تسبب في طرد ما لا يقل عن 872 شخصاً قسراً في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مدينتي بولي وليمي كورا الفرعيتين في أديس أبابا وحدها، بينهم 114 طفلاً و13 مسناً. ولم تتلق أي من الأسر الـ47 التي شملها المسح تعويضاً رغم امتلاك عديد منها منازل معترفاً بها قانوناً.
وأفادت المنظمة أن الأسر النازحة تعاني تسرب أطفالها من المدارس، وتدهور صحتهم العقلية، وارتفاع كلف المعيشة بعد إجبارهم على استئجار مساكن على مشارف المدينة.
وبينما يزعم وزير التنمية الحضرية الإثيوبي شالتو ساني توقف عمليات الهدم، تظهر أدلة منظمة العفو الدولية استمرار عمليات الإخلاء من دون ضمانات قانونية. منوهة بأن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد رفض مطالبات التعويض بشكل مثير للجدل، إذ صرح بأن المهجرين في منطقة جيما "لم يطالبوا بتعويض"، ومن ثم فإن إدارته غير معنية بتعويضهم.
تقرير منظمة العفو أكد أن ثمة ضرورة ملحة للتدخل وإيقاف المشروع، لا سيما وأنه يأتي في مرحلة حرجة تمر بها البلاد التي تعاني الحروب والفقر. مشيراً إلى أن جلسات الاستماع الأخيرة للبرلمان شهدت انتقادات واسعة وجهها نواب يمثلون المناطق التي يستهدفها المشروع، معتبرين أن ثمة "تنفيذاً تعسفياً" يرافق عمليات الإخلاء والهدم، ومشيرين إلى ضغوط الموازنة وعمليات الإخلاء غير المنضبطة في البلدات الصغيرة.
ويرى تقرير المنظمة أن الإفادات الرسمية تتضمن تناقضات واضحة، فمن جهة تقر بمعاناة المجتمعات التي تعرضت للطرد من منازلها، وهو اعتراف نادر في ظل مناخ يتعرض فيه الصحافيون للمضايقات خلال تغطية تداعيات المشروع، ومن الجهة الأخرى تدافع عن شرعية المشروع بحجة أنه يهدف إلى تطوير المدن وترقية الأحياء السكنية.
ونشرت منظمة العفو ضمن تقريرها شهادة أحد المتضررين الذي قال، "لقد فقدنا الأمل في الحكومة"، مما يعكس خيبة أمل واسعة النطاق. مؤكدة أن السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة الإنسانية ذات الأبعاد المتعددة لن يتم إلا عبر إيقاف المشروع أو تعويض المتضررين.
التحديث وآثاره المؤلمة
يقدر مراقبون للشأن الإثيوبي، أن ثمة إشكاليات واسعة تتعلق بطرح الحكومة التي لا تزال تصور المشروع باعتباره جهداً وطنياً تحديثياً وليس تدخلاً أجنبياً. وقد يصور خطاب الدولة عمل منظمة العفو الدولية على أنها "تقارير معادية" مما يقوض صدقيتها لدى الشرائح الموالية للحكومة. مع ذلك فبالنسبة إلى المتضررين يعد التقرير بمثابة طوق نجاة، وربما دافعاً من أصحاب المصلحة لكبح جماح المشاريع "الجمالية" التي تدار من قبل النخبة، والتي تعطي الأولوية للبنية التحتية على حساب المواطنين الفقراء الذين لن يتمكنوا من الحفاظ على مصالحهم ومدخراتهم الشحيحة، بما فيها المنازل والأراضي الزراعية أو الأسواق التجارية.
من جهته يرى المحلل الاقتصادي الإثيوبي تفري دولا، أن مشروع الممرات يحاكي مشروع "مدن الأشباح" الصينية الشهيرة، وهي عجائب حضرية بنيت بسرعة، لكنها خالية من التجمعات السكانية. إذ أولت الدولة الصينية الجماليات ونمو الناتج المحلي الإجمالي الأولوية على القابلية للعيش، مما أدى إلى تدهور بيئي واجتماعي.
ويقرأ دولا تقرير منظمة العفو الدولية باعتباره مناقضاً لهذا النموذج، ويتماشى مع أهداف التنمية المستدامة التي تركز على السكن الكريم والتنمية الشاملة، فيما ينذر برنامج التنمية المجتمعية في إثيوبيا بتفاقم أزمة انعدام المساواة بين الشرائح الاجتماعية والاقتصادية، فبينما يشيد المسؤولون بالمساحات الخضراء وارتفاع أسعار العقارات، فإن الواقع يظهر نزوحاً بلا سند قانوني.
ويدلل المحلل الإثيوبي على ذلك بتصريح الوزير شالتو الذي برر الآثار الاجتماعية والاقتصادية للمشروع بالقول، "حتى الأدوية لها آثار جانبية"، معتبراً أن الخسائر البشرية هي أضرار جانبية، مما يتعارض مع القيم العالمية الراسخة كالحق في السكن، والحوكمة التشاركية، والمساواة بين الأجيال.
ويرى دولا أن أديس أبابا التي طالما فاخرت باندماجها في الاقتصاد العالمي والقيم التي رسخها النظام الليبرالي على المستوى الدولي، لا تولي أهمية تذكر للقيم العالمية المتعلقة بتعويض الأضرار، والمسؤولية الاجتماعية التي تتحملها الدولة تجاه شعبها، مقابل تنامي طموح النخب الحاكمة التي تزداد ثراء، فيما تتوسع الهوة بين الأغنياء والفقراء في دولة يعيش 34.6 في المئة من سكانها تحت خط الفقر بأقل من 2.15 دولار في اليوم، بحسب تقارير البنك الدولي لعام 2024.
ويشير إلى أن تقرير منظمة العفو الدولية ليس مجرد نقد لإثيوبيا، بل هو استفتاء على نماذج التنمية العالمية في عصر انهيار المناخ واتساع فجوة التفاوت، إذ تختبر مشاريع مثل "تطوير الممرات" قدرة الحكومات على الموازنة بين التقدم والأبعاد الإنسانية للمشاريع.
يرى دولا أن التداعيات الناتجة من هذا المشروع تتطلب تدابير محددة تتمثل في ثلاثة إجراءات أساسية هي: تعليق فوري لما يسمى مشروع "تطوير الممرات" إلى حين إجراء تقييم موضوعي له من قبل جهات مستقلة تعنى بالآثار الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية. وضرورة تعويض الضحايا بما في ذلك التعويضات المتعلقة بالسكن البديل لمن هدمت منازلهم. وإطلاق مسار حوار شفاف مع المجتمعات المتضررة وضمان أن تتم عمليات الإخلاء بما يتوافق مع المعايير الدولية.
ويشدد المحلل الإثيوبي على ضرورة الاعتراف بأن النازحين ليسوا عقبات أمام "التنمية"، بل هم أصحاب مصلحة فيها، ومشاركتهم تعد مسألة محورية في شأن تطوير وترقية مناطقهم. معتبراً أن الانتقادات الواسعة للمشروع داخلياً وخارجياً ستضع الحكومة الإثيوبية أمام رهانات جديدة تتعلق بجدلية التنمية المستدامة التي تأخذ بالاعتبار مصالح السكان، وبين محاولات القفز إلى ما يمكن تسميته "العظمة الزائفة" على حساب الفقراء.
لا لأحياء الصفيح
بدوره يرى يوناتان دمقي من حزب الازدهار الحاكم، أن خطة الحكومة الإثيوبية تستهدف بالأساس القضاء على أحياء الصفيح واستبدالها بمساكن جديدة تحفظ كرامة الإنسان الإثيوبي، مشيراً إلى أن حكومة أديس أبابا ومنذ وصول آبي أحمد إلى السلطة أعادت بناء عدد من المدن الجديدة وتطوير أحياء سكنية قديمة، مؤكداً أن غالب الأحياء والمساكن التي يتم هدمها لا تتوفر على التصاريح الرسمية، وتم بناؤها بما يخالف قوانين البناء، وهي بالأساس تمثل خطراً على السكان، موضحاً أن النزوح الريفي الكبير نحو أطراف المدن تم خلال العقدين الماضيين نتيجة الحرب أو الجفاف، وأقام النازحون أحياء من الصفيح، وبعضهم أقام متاجر ومساكن لا تتوفر بها شروط الأمان.
وأضاف أن لدى الدولة خططاً تنموية تهدف إلى القضاء على الأحياء العشوائية واستبدالها بمساكن تراعي شروط الأمان، إضافة إلى الشروط المتعلقة بالبيئة من مساحات خضراء ومرافق تجارية واجتماعية تراعي حاجة السكان وأعدادهم.
ويقدر دمقي أن ثمة معلومات خطأ تتعلق بهذه الخطة، وبالمعايير التي تستند إليها، مشيراً إلى أن تقرير منظمة العفو الدولية يفتقد الدقة، فرغم وجاهة المطالب المتعلقة بالتعويضات فإن ثمة حالات لا تستوجب التعويض، نظراً إلى أن تلك البنايات ظلت قائمة على الاراضي المشاع التي تعود ملكيتها إما للدولة أو لأشخاص آخرين، إذ لا يمكن توقع تعويض أي شخص لا يتوفر على حقوق ملكية الأرض أو تراخيص البناء، ومع ذلك فالخطة تسمح له بإمكانية البقاء في المناطق التي سيقام عليها المشروع الطموح.
ويرى دمقي أن الخطة في الأساس تهدف إلى إزالة كل المظاهر العشوائية المتعلقة بالفقر، وإعادة بنائها بصورة جديدة يتناسب ورؤية الدولة العمرانية للتنمية المستدامة، مشيراً إلى أن المشروع مرتبط بخطة أخرى لإعادة المزارعين إلى أراضيهم التي فروا منها نتيجة الحروب أو الجفاف ليسهموا في عملية التنمية.
ويوضح أن الانتقادات الدولية لن تثني الدولة عن تطبيق خطتها، كما أنها أطلقت أخيراً حملات لتوضيح أهمية المشروع وضرورته ضمن "رؤية إثيوبيا 2030"، مقراً بأن ثمة مخالفات وقعت خلال تنفيذ عمليات الإخلاء، وقد اعترفت بها الدولة، ومؤكداً أن حكومة آبي أحمد كانت تدرك مسبقاً أن ثمة أثماناً لخطة التنمية، ومن الواضح أن الأحزاب السياسية المعارضة استغلت الآثار الجانبية للخطة للنيل من المشروع ككل، مما أوقع كثيراً من الجهات الدولية، بما فيها منظمة العفو الدولية، في فخ إصدار تقارير تفتقد الدقة ولا تراعي حاجة إثيوبيا للتنمية.
يذكر أن مشروع التنمية المجتمعية، الذي يعرف أيضاً بـ"مشروع الممرات"، انطلق عام 2022، وبدأت مرحلته الثانية في أكتوبر (تشرين الأول) 2024 على مساحة 132 كيلومتراً هجر فيها آلاف الناس مساكنهم وأسواقهم. ومع استمرار عمليات الهدم وتعرض الملايين للخطر تعد دعوة منظمة العفو الدولية لإجراء تقييم لأثره في حقوق الإنسان ملحة. ويتماشى توقيته مع تزايد التدقيق الدولي في نظام الحكم في إثيوبيا، بما في ذلك تعامله مع النزاعات في أمهرة وتيغراي، حيث تستمر انتهاكات القوات الحكومية والميليشيات.