إنّها قصّة حزينة، ومأساوية، حين يتجمّع عشرات الأطفال في ساحة قريتهم الصغيرة، حاملين بأيديهم لافتات احتجاج ضدّ هدم أحلامهم وذكريات الفرح التي تعجّ بمنازلهم. لم يكن هؤلاء الأطفال يدركون المعنى الحقيقي للنكبة والتهجير القسري، إلا بعد انضمامه لمجالس العائلات والمخاتير في ديوان الولجة ليلامسوا نحو 14 إخطار يقضي بهدم منازلهم بهدف استكمال التوسعة الاستيطانيّة.

تتربّع قرية الولجة على أراضٍ ممتدة غرب مدينة القدس، بمساحة أصلية تتجاوز 17 ألف دونم، إلا أن الاحتلال انتزع ما يقارب الـ 80% من أراضيها في نكبة عام 1948، إذ هجر ثلاثة آلاف من سكانها ولم يتبق منهم إلا بضع عشرات، سكنوا في كهوف القرية وأخذوا شيئا فشيئا يعيدون بناءها على جزء صغير من أراضيهم حتى هزمت الجيوش العربية عام 1967 واحتلت باقي أراضي القرية.

عائلة أبو رزق من العائلات التي أخطر منزلها بالهدم غربي القرية، بناية سكنية تضمّ أربعة شقق سكنية، تأوي 40 نفرًا بينهم عشرات الأطفال، يقول أصحابها إنهم يمتلكون أوراق ثبوتية الأرض التي ورثوها عن أجدادهم، لا مأوى لهم غيرها وبحال تم هدمه فإنها سوف تصبح كارثة كبرى، حيث سيقطنون بالشارع.

تتشابه أحوال العائلات التي لفتت أراضيهم اهتمام قوات الاحتلال بانتزاعها مجددًا. تقول أم حسين الأطرش إن منزلها الذي يحتضن إحدى عشر فردًا، هدم مرّتين من دون أي إخطار، بل تأتي قوات الاحتلال ليلًا لتهدم المنزل على محتوياته كي لا تتمكّن العائلة من استصدار أمر يحمي المنزل من الهدم لاحقًا، لكنّها في كلّ مرّة تصر على إعماره.

وتعتبر اليوم قرية الولجة من قرى مدينة القدس، فصلها الاحتلال عن المدينة بعد إقامة جداد الفصل العنصري وألحقها بمحافظة بيت لحم، فيما يحاول إعادة ضم القرية للمدينة بعد إخلائها من سكانها.

تعود إسرائيل اليوم لإكمال المشروع الاستيطاني، تحديدًا جدار الفصل العنصري لقطع الاتصال مع الاراضي بشكل نهائي وضمان عدم دخول أي فلسطيني الى المستوطنات المجاورة والتي هي في الأصل قائمة على أراضي القرية منذ عام 67 يشرح محمود الأعرج المتحدّث باسم أبناء القرية.

ويضيف لـ نوى: أن الاحتلال أكمل الجدار الإسمنتي بسلك شائك يبلغ طوله عشرة أمتار، لاعتراض المستوطنين على الجدار الإسمنتي كونه يشعر الأطفال الصهاينة أنهم محبوسين داخل حديقة حيوان، إلا أننا كفلسطينيّين ممنوعين من الوصول إلى عيون الماء التي هي بالأساس من أراضي القرية، لجلب المياه والتنزه بهدف تحويلها الى حديقة وطنية لليهود والمشروع قائم حتى اليوم.

يتابع الأعرج أن انتهاكات الاحتلال لم تقف عند هذا الحد، إنما تتمثل في أساليب الخنق والتطهير خاصة بعد قيام قوات الاحتلال بإخطار ١٤ منزلًا من أصل عشرات البيوت المخطرة بالهدم، خلال مدة لا تبعد عن العشرة ايّام من تاريخ صدورها، لتهجير اَهلها وإخلاء البيوت من سكانها.

وحول محاولات أهالي القرية بمنع الهدم، يفيد أنهم توجهوا للمحاكم الإسرائيلية عن طريق المحامين الذين يرافعون عن قضايا البيوت، حيث شكلوا ضغوط على القضاء الاسرائيلي وخرجوا بنتائج مبدئية تجمّد قرار الهدم لفترة قصيرة جدًا لا تتجاوز الـ20 يوما منتظرين القضاء الاسرائيلي للبت في هذه القضايا، إلا أن النتيجة معروفة لحاكم وجلاد في آن.

وتحتاج قرية الولجة بحسب الأعرج إلى دعم حقيقي وجهات عليا تحمل هذه القضية، وتدعم صمود أهلها كما يحمل السلطات المسؤولة والوزارات المختصة والسلطة ممثلة برئيسها كامل المسؤولية بما يجري في القرية من انتهاكات وتشريد وتدمير للأراضي والمنشآت، خاصة وأنها تشكل خط دفاع أول ضد الاحتلال بموقعها الحدودي مع مدينة القدس وامتداد لخط قرى الريف الغربي فإذا ما تم السيطرة على أراضي القرية وتهجير سكانها سوف ينتقل الاحتلال للقرى المجاورة بتير وحوسان وواد فوكين وقرية نحالين وغيرها من القرى.

وليس الهدم فقط هو ما يؤرق سكان قرية الولجة، فالقرية خالية تمامًا من شبكات الصرف الصحي وتعتمد في تصريف مجاريها على الحفر الامتصاصية المنتشرة بين البيوت، مما ينذر بكارثة صحية، إذ إن القرية لم تخضع لأي تطوير منذ احتلال الجزء الأكبر منها عام 1948.

وتفتقر الولجة إلى وحدات صفية كافية لعدد الطلاب إذ إن القرية لا تضم إلا مدرستين، واحدة أنشأتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أنروا) عام 1964ولا تضم إلا عدة صفوف بمناطق متفرقة في القرية، وأخرى بنيت بجهود أهالي القرية.

المصدر الأصلي