تفتقت عقلية الاحتلال الإسرائيلي عام 1976م عن مشروع تطوير الجليل ( والتي حددتها خطة الأمم المتحدة للتقسيم، لكي تكون جزءاً من الدولة العربية في فلسطين)، كمدينة يهودية، من خلال مواصلة الاستيلاء على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948. وتعود تلك الأراضي المستهدفة، إلى ما يقرب (10%) من الفلسطينيين الذين ظلوا صامدين في أراضيهم بعد النكبة، وتحت احتلال قمعي، صادر منهم كل ما استطاع بعد أن وضع يده على كل شبر من أراضي اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجِّروا منها.
ثم حولت حكومة إسرائيل الجديدة، آنذاك، تلك الأراضي، وبصورة غير مشروعة، لكي تكون تحت إدارة وتصرف الصندوق القومي اليهودي، وهو منظمة شبه حكومية، أنشئت للفصل العنصري، ووضعتها تحت تصرفه، لكي تضمن أن تظل تلك الأراضي التي تم الإستيلاء عليها أراضي يهودية.
حيث تم منحها لليهود المهاجرين المستعمرين، الذين استجلبوا من شتى بقاع الأرض ليشكل منهم شعب مزور لدولة مختلقة.. ولكي تنجح هذه السردية، قاموا بتزوير الحقائق التاريخية، ومحاولتهم الاستيلاء على تراث الشعب الفلسطيني وثقافته. وبقدر أن تلك الأكذوبة غير قابلة للتصديق، إلا أن العديد من السياسيين الجهلاء، قد صدقوها، بل لم يتوقع أن تنطلي الكذبة على مروجيها. واليوم يقوم وزير المالية الإسرائيلي الجديد سموتريتش بسرد هذه الأكاذيب، مدعياً اختلاق شعب فلسطين، لكي يدمر الحركة الصهيونية !!!
على الرغم من أن كتّاب التاريخ يعلمون حقيقة، أن الحركة الصهيونية تم إختلاقها لكي تكون فرع للاستعمار الأوربي المنقضي، والذي عفا عليه الزمن، ومن ناحية أخرى، لكي ينفِّذ سياساته في المنطقة العربية وينهب خيراتها، ومن جهة أخرى، يجعلها متناحرة ممزقة، وذلك بعد انفصالها عن الدولة العثمانية رجل أوروبا المريض، التي كانت تتآكل قبيل سقوطها الكامل إثر الحرب العالمية الأولى عام 1918م.
وفي الوقت المناسب، وجدت الحركة الصهيونية، قضية مشتركة مع القوى العظمى، وتحايلت عليها، وحصلت على الاعتراف بمستعمراتها، كدولة بقرار من الأمم المتحدة، في انتهاك للمبادئ المكرسة في القانون الدولي، ومنحتهم 56% من مساحة أراضي حكومة عموم فلسطين التي كانت قائمة في ظل الانتداب البريطاني. وهذا التطور، قد سمح لآلاف اليهود الهاربين بمن فيهم الهاربين من الاضطهاد النازي، بدخول فلطسين والعيش بسلام، والعيش بسلام مع الشعب الفلسطيني الأصلي. ولكن بدلاً من العرفان بجميل حكومة عموم فلسطين، احتل اللاجئون والمستعمرون اليهود نصف حصة الأراضي المتبقية للدولة الفلسطينية عام 1948م، وفي عام 1967 احتلوا ما تبقى من فلسطين التاريخية (الضفة الغربية وقطاع غزة).
في البداية إدعوا أن هذا إحتلال مؤقت الى أن يتم حل القضية التي اختلقوها، ثم ادعت الحكومة العسكرية لإسرائيل، أنها أقامت إشغال مدني/إدارة مدنية، لمنطقة بها شاغر قانوني أو غير خاضعة للحكم، ثم كشفوا عن نواياهم الحقيقة بنشر الإدعاء الكاذب، على أنها أرضهم التي كانت مغتصبة من العرب الفلسطينيين، وأن المستعمرون قد حققوا أخيراً الحرية في أرضهم التي كانت محتلة منذ مدة طويلة.
وفي الوقت الحاضر، هناك رواية جددية يتم تداولها، من قبل وزير المالية بتسلئيل سموترتش، ورئيس حزب الصهيونية اليهودية، وإصراره على أن الشعب الفلسطيني، ليس سوى اختراع، وأن أرض إسرائيل المزعومة تضم دولة المملكة الأردنية الهاشمية، وأجزاء من دول سوريا، والعراق، ومصر، وتركيا، والمملكة العربية السعودية. فقد أصبح مشروعهم السري وحلمهم الصهيوني مكشوفاً للعلن، ويتم التصريح عن أجزاء منه بصورة علنية أرضك يا إسرائيل من الفرات الى النيل. ومنذ مدة طويلة، كان الفلسطينيون يحذرون العالم من تلك النوايا الصهيونية الحقيقية، ومنذ عقود يرمز العلم الإسرائيلي لهذه الجغرافيا المزعومة، حيث أن فالنجمة السداسية التي سرقوها من التراث العربي القديم، واستخدموها كرمز لدولتهم، ووضعوها بين خطين أزرقين يرمزان لنهري النيل والفرات...!
لقد تعاونت الأحزاب الصهيونية وتكاملت منذ التأسيس من أجل هذا الهدف، وكل المراوغات كانت لكسب الوقت وتثبيت الأقدام، وبناء المزيد من البنية التحتية، وتعزيز نظامها العسكري والأمني. واليوم وبعد 47 عام على انتفاضة يوم الأرض الخالدة، التي سقط فيها ستة شهداء، ما زال الاحتلال يمعن في قتل الفلسطينيين، فشهداء الأرض منذ بداية هذا العام 2023 وحده، بلغت (88) شهيداً (بمعدل 30 شهيداً في الشهر)!، بسبب العنف الإسرائيلي. كما أتمت حكومة الاحتلال، الاستيلاء على حوالي 2.3 مليون دونماً، (230,000 هكتار)، من أراضي الضفة الغربية لصالح مشروعهم الاستيطاني، كما شجعت حكومة إسرائيل العنصرية، على تحقيق مستويات متزايدة من عنف المستوطنين، تجلت في أعمال الحرق المتعمد، والهجمات العنيفة الأخيرة، على قرية الهوارة، وغيرها من منازل الفلسطينيين، في جميع أنحاء الضفة الغربية.
ولقد بلغ عدد المستعمرات والبؤر الستطانية الإسرائيلية، والتي أقيمت بصورة غير مشروعة، وتتعارض مع الشرعية الدولية وقراراتها، حوالي (572) مستعمرة وبؤرة، يسكنها حوالي 850 ألف مستوطن يهودي غير شرعي، واقتلعوا أكثر من مليوني شجرة زيتون معمر، كانت تشهد بعروبة وفلسطينية هذه الأرض، وهدموا أكثر من (12,350) مسكناً فلسطينياً في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
ولم تقتصر عمليات الهدم الجارية، في نطاق الضفة الغربية فقط، ففي الواقع، عند القيام بعطاءات الصندوق القومي اليهودي، قام الجيش والشرطة الإسرائيلية، بهدم قرية العراقيب، والتي تقع ضمن حدود عام 1948، (214) مرة! وجففت المؤسسات الإسرائيلية، بحيرة الحولة، ونهبوا منابع نهر الأردن، ويجففون الآن البحر الميت.
واليوم، في ذكرى يوم الأرض الخالد (30 مارس/آذار 2023)، نُذكِّر العالم بأن هناك احتلال ينتهك القوانين والوقاعد العالمية، ويحاول تغيير نواميس الكون فلا يجوز الصمت عليه، ومن العار دعمه، فمن يصمت عن الظلم يصبح شريكاً فيه، واليوم في هذه الذكرى المجيدة نُذكر الاحتلال، ونُذكر العالم الصامت والمتفرج، بأن دماء شهداء فلسطين مثل جذور زيتون فلسطين، لا تجف ولا تموت.. فالكذب لا يدوم .. والأرض لا تكذب.. لقد قالت الأرض كلمتها بأنها أُمُّ الفلسطينيين من رحمها نشأوا وعليها سيظلون أحرارا ...
مركز أبحاث الأراضي
جمعية الدراسات العربية
القدس – فلسطين
30 آذار 2023م
Themes |
• Advocacy • Displacement • Human rights • Land rights • People under occupation • Property rights • Regional • Reparations / restitution of rights • UN system |