هناك اليوم تزاحم على الذهب في إثيوبيا، ولكن ليس بحثاً عن المعدن الأصفر . إنه بالأحرى بحث عن ذهب أخضر يتمثل بأراض زراعية خصبة . فهذا البلد الذي يرتبط اسمه بمجاعات دورية ومعاناة الأطفال سوء التغذية أكثر منه بالمحاصيل الزراعية الوافرة، أخذ يؤجر ملايين من الهكتارات إلى شركات أجنبية تريد إنتاج وتصدير غذاء إلى أماكن مثل أوروبا والسعودية والصين والهند .

وعلى سبيل المثال، استأجرت شركة الأغذية «كاروتوري غلوبال» التي تتخذ من بنغالور (الهند) مقراً لها ثلث

منطقة غامبيلا الخصبة لفترة الخمسين سنة المقبلة .

وهناك يجري حالياً تجفيف أراض سبخة، وتحويل

مجاري أنهر، وتعرية غابات من أشجارها، ونقل قرى بأكملها، من أجل إفساح المجال لمزارع أزهار، وزيت نخيل، وأرز . وفي أعقاب عقد استئجار هذه الأراضي عام ،2011 قال مدير المشروعات في الشركة كرمجيت شيخون بلهجة حماسية: «إنها أرض ممتازة . وهي رخيصة جداً . . ولا نجد مثيلاً لها في الهند» .

وتقول حكومة أديس أبابا إنها بحاجة إلى شركات مثل هذه لكي تسهم في توفير وظائف، وزيادة مداخيل إثيوبيا من صادرات الغذاء، وتطوير تكنولوجيا وبنية تحتية زراعية يمكنها أن تدمج البلد الفقير في اقتصاد السوق العالمي . وتجتذب إثيوبيا المستثمرين بفضل تخفيضات ضريبية وأسعار تأجير متدنية جداً تصل إلى دولار واحد للهكتار الواحد في السنة .

ولكن بأي ثمن بالنسبة لحقوق ملكية الأراضي، وصحة البشر، والبيئة، والاستقرار الأمني؟

هذا سؤال لا يثار فقط في إثيوبيا، وإنما عبر القارة الإفريقية . إذ إن بلداناً كثيرة أخرى ترحب بمشروعات زراعية كبيرة يمولها مستثمرون أجانب هدفهم إرسال أغذية إلى الخارج . وتفيد تقارير أن ليبيريا وقعت في السنوات الأخيرة امتيازات حقوق تغطي نحو ثلث أراضيها الوطنية . (يشار إلى أن ليبيريا، مثلها مثل دول إفريقية كثيرة، تعلن ملكية الحكومة لجميع الأراضي الصالحة للزراعة في البلاد) . وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، تم تأجير أراض زراعية شاسعة من أجل زراعة محاصيل، من بينها زيت النخيل المخصص لإنتاج الوقود الحيوي . وربما يكون أضخم مشروع حتى الآن هو «مشروع بروسافانا» في موزامبيق، حيث استأجرت شركات برازيلية ويابانية منطقة تبلغ مساحتها تقريباً مساحة سويسرا والنمسا مجتمعتين من أجل إنتاج وتصدير فول الصويا والذرة .

ويشكك منتقدون في جدوى إنتاج أغذية مخصصة للاستهلاك الخارجي في مناطق يعاني كثيرون من سكانها الجوع، خصوصاً في الحالات التي تؤدي عقود استئجار أراض إلى تهجير سكان محليين يعتمدون على الرزق الكفاف من أجل البقاء . وفي موزامبيق، حيث يعتمد أكثر من 80% من مجموع السكان على الزراعة العائلية، تزعم السلطات أن الأراضي التي تم تأجيرها إلى شركة «بروسافانا» كانت خالية من السكان ولكن دراسات أجراها المعهد الوطني للأبحاث في هذا البلد تظهر أن هذه الأراضي كانت مناطق زراعات ومراعي موسمية، يستقر السكان فيها أو يغادرونها تبعاً للمواسم، في حين أن منظمة «غراين» الأهلية تقدر أن ملايين الفلاحين يخسرون أراضيهم نتيجة لخطط إعادة التوطين القسرية، وفي إثيوبيا، تم طرد 5 .1 مليون شخص ما بين مزارعين ورعاة من أراضيهم لإفساح المجال أمام تطوير مزارع صناعية جديدة .

وحسب أوليفييه دي شوتر، مقرر الأمم المتحدة الخاص لشؤون الحق في الغذاء، فإن عملية النقل العكسي للثروة الزراعية هي شكل جديد من أشكال الاستعمار . وهو يقول إن قوى خارجية تدعي، بتأييد من حكومات محلية، أنها تساعد بلداناً لتحقيق التنمية، بينما دافعها الحقيقي هو استغلال موارد من أجل ضمان أمنها الغذائي . وشدد دي شوتر على أن «الزراعة العائلية على نطاق صغير، التي لا يزال معظم فقراء الأرياف في العالم يعتمدون عليها، مهددة بمشروعات المزارع على نطاق واسع، والزراعة الموجهة نحو التصدير، وإنتاج سلع بدلاً من الغذاء» .

وما يزيد الأمر سوءاً هو أن ظاهرة اغتصاب الأراضي تهدد أيضاً بزعزعة الاستقرار الأمني، وإذكاء التنازع على موارد شحيحة، والتغير السكاني . ويحذر معهد نيوانجلاند للأنظمة المعقدة (وهو معهد أبحاث أمريكي متخصص في دراسة الأنظمة المعقدة) من أن تعذر حصول سكان على الغذاء وعلى أراض زراعية سيؤدي على الأرجح إلى قلاقل اجتماعية في السنوات المقبلة . واستنتجت إحدى دراسات المعهد أن «شروط ظهور تهديد أمني على نطاق واسع تتوافر خصوصاً عندما يصبح الغذاء بعيد المنال بالنسبة لعموم السكان . وفي مثل هذه الحالات، حتى خطر الموت لا يردع أناساً عن القيام بأعمال لمقاومة نظام سياسي» .

وعمليات الاستيلاء على أراض في إفريقيا بدأت بجد في أعقاب أزمة الغذاء العالمية التي بلغت ذروتها عام ،8002 حين بدأت شركات أجنبية تحصل على أراض في هذه القارة التي توجد فيها أعلى نسبة مئوية من الأراضي الزراعية المتاحة، وذلك لحماية استثماراتها من التقلبات الحادة في أسعار الأغذية في السوق العالمية . ومن جهتها، رغبت حكومات إفريقية في مثل هذه الشراكة بسبب حاجتها للاستثمارات والتكنولوجيا .

وقد اقترحت الأمم المتحدة بعض القواعد الأساسية لضبط عقود استئجار الأراضي هذه، إلا أنها غير ملزمة، وكثيراً ما تبقى موضع تجاهل، ما يؤدي إلى وضع فوضوي . وقال خوسيه غرازيانو دا سيلفا، رئيس منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة: «يبدو الأمر أشبه بالغرب (الأمريكي) المتوحش، ومن الضروري سن قوانين وإنشاء قضاء جنائي» .

* نقلا عن “الخليج” الإماراتية

المصدر الأصلي