يبدو أن محاولات استرداد أموال مصر لن تتوقف، كذلك لن يتوقف تقديم مشروعات القوانين والمبادرات لاستردادها من الخارج، فبعد مرور عامين على ثورة الخامس والعشرين من يناير، وتشكيل عدد من اللجان التى لم ينجح أى منها فى تحقيق الهدف المرجو، تقدم حزب الوسط بمشروع قانون جديد للجنة الاقتصادية بمجلس الشورى لاسترداد الأموال الداخلية والخارجية، ونص على تشكيل لجنة من شأنها إجراء التحقيقات بشأن كل الأموال المنهوبة التى تم إخفاؤها داخليًا أو تهريبها لخارج الدولة المصرية خلال العشرين سنة السابقة، والبحث حول طرق تهريبها، وكيفية تتبعها واستعادتها.

مشروع القانون الأخير سبقته محاولات كثيرة لم تحقق أى منها النتائج المرجوة، على الرغم من إنفاقها أموالا كثيرة لتنفيذ مهامها، لدرجة أن أصحابها اعترفوا صراحة بأن استرداد الأموال أصبح أمراً مستحيلاً. تلك المحاولات تمثلت فى أربع لجان شاملة مشروع القانون الأخير لمتابعة الإجراءات القانونية لاسترداد الأموال المنهوبة فى عدد من الدول الغربية، بعضها جاء بناء على مبادرات شعبية، والبعض الآخر بتكليف من الرئيس محمد مرسى بعد توليه الحكم بفترة قصيرة.

المبادرة الشعبية:

فى يونيو 2011 تم تشكيل المبادرة الشعبية لاسترداد أموال مصر بالخارج، برئاسة الكاتب الصحفى معتز صلاح الدين، وكان دورها يتمثل فى ممارسة الضغوط على الدول الأجنبية التى تحتفظ بقدر كبير من الأموال المصرية المستثمرة من قبل رؤوس النظام البائد، مثل إسبانيا وبريطانيا، واعتمدت المبادرة على رؤساء الجاليات المصرية فى تلك الدول، والذين كانوا يمارسون بدورهم ضغوطاً على حكوماتها، كما قامت المبادرة بالاستعانة بعدد من المحامين فى الخارج لمتابعة سير القضية، وعلى الرغم من نجاحها فى تجميد أموال 19 مسؤولا فى الخارج، كان أبرزهم الرئيس السابق محمد حسنى مبارك،وزوجته وأبناءه، وأحمد عز وزوجاته الثلاث، وأحمد المغربى وزوجته، وزهير جرانة وشقيقه وزوجته، وتجميد ما يقرب من 40 مليون جنيه إسترلينى، وقامت بلقاء بعض المسؤولين البريطانيين والأمريكيين لاستعادة الأموال، فإن هذا لم يكن له أثر على أرض الواقع.

لجنة الجوهرى:

كان جهاز الكسب غير المشروع هو الجهة الوحيدة المسؤولة عن استرداد أموال مصر فى الخارج، بعد سقوط الرئيس السابق حسنى مبارك، وخلال فترة تولى المجلس العسكرى إدارة شؤون البلاد، وذلك وفقا للمرسوم رقم 52 لسنة 2011، الصادر عن المجلس العسكرى فى 4 إبريل من العام نفسه، وبناء عليه تم تشكيل لجنة قضائية برئاسة المستشار عاصم الجوهرى، وتضم فى عضويتها كلا من المستشار عادل فهمى، مدير إدارة التعاون الدولى بوزارة العدل، والمستشار خالد سليم، رئيس هيئة الفحص والتحقيق بالجهاز، والمستشارين أحمد سعد، وآسر حرب، وكان تكليف المجلس العسكرى للجنة التحقيق فى البلاغات المقدمة ضد الرئيس المخلوع وأسرته، والمسؤولين فى نظامه، ومنعهم من التصرف فيها، واتخاذ الإجراءات القانونية لاسترداد تلك الأموال، كما منح المجلس اللجنة حق الاستعانة بمكاتب المحاماة والتحريات الأجنبية، والسماح لها بمخاطبة جميع الجهات، والاستعانة بالمصرفيين والماليين والمترجمين لمعاونتها فى إنجاز مهمتها.

وعلى الرغم من تعهد رئيسها فى البداية باسترداد كل مليم لمصر فى الخارج، وبذل اللجنة قصارى جهدها فى سبيل ذلك حتى وصلت إلى معلومات مؤكدة تفيد بأن علاء وجمال، نجلى الرئيس السابق حسنى مبارك، لديهما ودائع ببنوك سويسرا تقدر بحوالى 340 مليون دولار، أى ما يوازى 2 مليار جنيه، ناهيك عن مقابلتها سفراء تلك الدول فى مصر لبحث آليات استرداد تلك الأموال، لكنها فشلت أيضاً.

لجنة المهدى:

فى أغسطس 2012 أقر مجلس الوزراء برئاسة الدكتور هشام قنديل تشكيلا جديدا للجنة الوطنية لاسترداد الأموال المنهوبة، بعيداً عن وصاية جهاز الكسب غير المشروع، وكانت اللجنة برئاسة المستشار محمد أمين المهدى، وضمت ممثلين عن المجتمع المدنى، وبعض الجهات الحكومية والشخصيات العامة، وشغل فيها الدكتور حسام عيسى منصب نائب الرئيس.

فى بداية عمل اللجنة رحبت المبادرة الشعبية لاسترداد الأموال بخطوة الرئيس محمد مرسى، وجديته فى استعادة أموال مصر بالخارج والداخل، قائلة إن هذا القرار تأخر كثيراً، خاصة بعد حل لجنة المستشار عاصم الجوهرى، وغلق ملف الأموال المنهوبة لمدة 6 أشهر، مما أثر سلبا على القضية، وأعلنت المبادرة دعمها للجنة المشكلة حديثا بكل ما لديها من وثائق ومعلومات على الرغم من أن الأولى على دراية كاملة بأن استرداد الأموال كاملة يكاد يكون أمراً صعباً بل مستحيلاً، ولكن بإمكان مصر استعادة 50% وهى نسبة ضعيفة.

وعلى الرغم من الكم الهائل من المعلومات الذى توفر لتلك اللجنة لممارسة مهامها، فإن أعضاءها رأوا أن الأزمات التى يتعرض لها القضاء فى مصر من وقت لآخر، وعدم استقرار الأوضاع، تعرقل عمل اللجن،ة وتحول دون أدائها لمهامها، مثلما حدث مع المحكمة الدستورية العليا التى تمت محاصرتها، مما جعل المحكمة الدستورية الإسبانية ترفض تسليم حسين سالم لمصر للتشكيك فى نزاهة قرارات الأولى، فى الوقت الذى ذهب آخرون لتفسير الأمر على أن السبب فى هذا تعارض القوانين الداخلية السويسرية مع القانون الدولى، وبالتالى لم تحقق تلك اللجنة نتائج ملموسة، وهذا ما أكد عليه الدكتور حسام عيسى الذى قال إن استرداد الأموال المنهوبة أصبح أمرا مستحيلا، وأيضا ما ذكره الدكتور محمد محسوب، وزير الدولة للشؤون القانونية السابق، الذى أشار من قبل إلى أننا بحاجة للجنة تستطيع مخاطبة الرأى العام العالمى بعنف، مطالبا اللجنة الحالية بالرد على ما قيل بشأن إنفاقها 60 مليون جنيه خلال عملها.

الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، قال إن السبب فى عدم نجاح محاولات استرداد أموال مصر من الخارج هو أن السلطات المصرية لم تقم بدورها الكافى لتقديم ما توفر لديها من معلومات فى هذا الشأن، إضافة إلى أن رؤوس النظام السابق كانوا يضعون أموالهم فى البنوك الخارجية بواسطة أشخاص آخرين، وفى صورة ممتلكات أخرى، وليس فى صورة أموال سائلة. وأضاف السيد أن شرط استعادة تلك الأموال يتمثل فى إجراء محاكمات عادلة وعاجلة يتم من خلالها إثبات تورط هؤلاء الأشخاص فى عملية نهب الأموال، وأنهم حصلوا عليها بطريقة غير قانونية، وفى كل الأحوال كل البلاد التى أطاحت بحكامها الديكتاتوريين من خلال ثورات شعبية لم تستعد ثرواتها بسهولة.

أما الخبير الاقتصادى محسن عادل فأرجع السبب فى تأخر استرداد الأموال لأكثر من سبب، أولها تأخر العمل فى هذه اللجان، مما أدى إلى إخفاء معظم الأموال الخارجية، خاصة فى الدول التى تعد بمثابة ملاذات ضريبية، ثانيها ضعف الخبرة فى اللجان المشكلة داخل مصر، وعدم استعانتها بخبرات متخصصة فى هذا المجال، مما تسبب فى افتقادها عددا من الأساسيات، ثالثها عدم صدور أى أحكام قضائية نهائية وباتة بشأن من اتهموا بنهب الأموال، مما جعل الموقف القانونى بالنسبة لمصر فى المطالبة بهذه الأموال ليس قويا بصورة كافية حتى هذه اللحظة، إضافة إلى أن غياب واضح للدعم المؤسسى الدولى لمساندة مطالب مصر للحصول على أموال تدعى بحقها فيها خارجيا، وهو ما أبطأ كثيراً من الإجراءات التى كان من المفترض اتخاذها.

وأضاف عادل أن عودة الأموال تتطلب وجود أحكام قضائية نهائية باتة ليتم اتخاذ إجراءات بناء عليها، والاستعانة بجهات متخصصة للبحث عن مصادر الأموال، وتشكيل أمانة عامة يكون عملها منصبّا على البحث والتفاوض بشأن هذه الأموال.

المصدر الأصلي